14 سبتمبر 2025

تسجيل

من فلاح سوري إلى الرئيس أولاند (2/2)

10 أغسطس 2016

سيّدي الرئيس؛ كان في ودّي أن أخبرك أخباراً طيبة عن ديواني الخامس، وحفيدي الثامن، وذكرياتي عن الطبشور الفرنسي، وميراي ماتيو، وبعض العبارات التي ظلّت في البال من مسرحية البرجوازي النبيل لموليير، والممثلين البارعين آلان ديلون وكاترين دينوف، عن الإتيكيت الفرنسي، ومدرسة ما بعد الحداثة. كنت سأقول لك إنّ حفيدي (إبراهيم) في الرقّة، وقد ولد منذ عشرة أيّام، وليس له علاقة بسائق الشاحنة في نيس؛ فلا تصدّق واضعي الأهداف أن إبراهيم إرهابي، كنت سأقول لك إني حتى الآن لم أره، طلبت الصورة مراراً من أهله، يقولون إن الكهرباء مقطوعة دائماً في تلك القرية البعيدة، سامحني؛ فلن أذكر لك اسم القرية حتى لا يصطادها طياروك، كنت سأقول لك: أهل الرقّة طيّبون ولم يعرفوا الإرهاب ولا التديّن الحادّ في حياتهم، وأنّهم يبكون إذا سمعوا منشداً يغنّي "الموليّا". كان يجب أن تسمع الموليّا، لتعرف أن ثمة باريسيين في الشرق، يدينون بدين الحبّ والفنّ، وأنّ الرقّة أسيرة لعبة كبيرة، خاض فيها الجميع. كنت سأقول لك كلّ هذا، ولكنّ قصف طياريك لهذه القرية (قرية التوخار) بحجة دعوشة أهلها، فاجأتني بهذا الداعشيّ الصغير إسماعيل، إسماعيل ابن (البطة السوداء) يا سيدي، أنا أعرف أنه شقيّ، أقصد من ملامحه وجسده المتعافي، ولكن هل يعقل أنه من أرسل سائق الشاحنة إلى نيس؟ أنتم أدرى. ربّما قال لكم من قال إن إسماعيل هو من حمل ساطوراً، أو ارتدي حزاماً ناسفاً، ولكن ألا ترى أن هذا الطفل بحلاقة (البانكي) لم يقصّ شعره، ولم يقصّر ثوبه، ولم يضع طاقية على رأسه؟ أنا أكتب لك، وربّما لا أجد من سيترجمها لك، فبؤساء هيغو تناسلوا فينا يا سيدي، في كلّ مدينة وفي كلّ حارة وفي كلّ قرية، ثمة جان فالجان وثمة مسيو تيناردييه وثمة الشرطي جافير، وفي كلّ بيتٍ يا سيدي (طاعون) وثمة (ذباب)/ وثمّة هواة كرة يهربون من الواقع بتشجيع الفرق التي لعبت في يورو 2016، وصفّقت للاعبكم رقم 7، وحزنت لخسارتكم اللقب، كما حزنت لضحاياكم في حادثة نيس. يا سيّدي أكتب لكم؛ لأقول لك نحن لسنا إرهابيّين، ولا طاقة لنا بالهجرة التي يجب أن نسير على صراطها المستقيم الضيّق فيقع من يقع، ويغرق من يغرق، حتى يصل المغامرون إلى جنّتكم الموعودة. نحن يا سيدي لسنا إرهابيّين، لسنا قتلة، وأنتم أدرى بلعبة الإرهاب وصناعته، نحن أغنية تلك الأرض البائسة، نغنّي لليل الصحراء الموليّا، ثم نبكي. قديماً كان إسماعيل وإسحاق ابنا إبراهيم، وإسماعيلنا هذا، هذا الذي يتمدّد مبتسماً على ترابٍ هشّ ليس إلاّ ذاك الـ (إسماعيل) في صحراء الرعب، يصرخ من العطش، وأمّه المحاصرة تبحث له عن جرعة خلاص، في هذا السراب الأمميّ. ثم ألا ترى أنها ليست معه؟