14 سبتمبر 2025

تسجيل

السعودية وذبابها الإلكتروني وصفقة القرن

10 يوليو 2018

بعدَ نجاحِ الثورةِ المضادةِ التي دعمتها السعوديةُ والإماراتُ في تقزيمِ مصرَ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ونجاحِ سياساتهما بالإبقاءِ على النظامِ الأسديِّ الذي دمرَ سوريا، بدأَ بعضُ الأكاديميينَ والإعلاميينَ في خليجنا بالحديثِ عن انتقالِ قيادةِ الأمةِ العربيةِ إلى السعوديةِ، وأخذوا يناقشونَ في الدورِ الكبيرِ الذي ستقومُ به في توحيدِ الأمةِ ومواجهةِ التهديداتِ الخارجيةِ. لكنَّ قيادةَ المملكةِ خيبت آمالهم باتخاذها سياساتٍ لا تتناسبُ مع مكانتها المعنويةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ. وسأكتفي بالجانبِ المتعلقِ بصفقةِ القرنِ في هذه السياساتِ، ومناقشته من الزوايا الثلاثِ التاليةِ: 1) صفقة القرنِ: بعدَ نكبتنا في فلسطينَ سنةَ 1948م، وقيامِ الكيانِ الصهيونيِّ، كانت السياسةُ الرسميةُ المعلنةُ للدولِ العربيةِ تقومُ على وجوبِ تحريرِ فلسطينَ كاملةً، حتى وقعتِ النكسةُ بهزيمتنا عسكرياً سنةَ 1967م، فتقزمتِ المطالبُ لتصبحَ إقامةَ دولةٍ فلسطينيةٍ عاصمتها القدسُ على الأراضي التي احتلها الكيانُ بعد النكسةِ. وجاءتِ النكبةُ الثانيةُ سنة 1978م بقيامِ الساداتِ بزيارةِ الكيانِ والاعترافِ به، فتقزمتِ المطالبُ أكثرَ لتصبحَ الأرضَ مقابلَ السلامِ. وتتالتِ النكباتُ باعترافِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ بالكيانِ، وقبولها بسلطةٍ إداريةٍ على أقلِّ من ‎%‎12 من فلسطينَ، وإعلانها، ضمناً أو صراحةً، عنِ التخلي عن حقِّ اللاجئينَ الفلسطينيينَ بالعودةِ، وأنَّ عاصمةَ فلسطينَ هي القدسُ الشرقيةُ. وهذا تاريخٌ طويلٌ لا يكفي مقالٌ لبحثه، والذي أريدُ الوصولَ إليه هو تلك الصفقةُ المشبوهةُ التي كانَ الإعلانُ الأولُ عنها على لسانِ رئيسِ النظامِ الانقلابيِّ بمصرَ خلال لقائه بالرئيس ترامب بعد فوزه بانتخاباتِ الرئاسةِ الأمريكيةِ. وتتلخصُ بالتخلي عن القدسِ الشريفِ، وإقامةِ دولةٍ فلسطينيةٍ في الضفةِ الغربيةِ تتبعُ الأردنَ إدارياً، وتكونُ عاصمتها أبو ديس وهي إحدى ضواحي المدينةِ المقدسةِ، وليس لها سلطاتٌ في مجالِ الدفاعِ والأمنِ والسياسةِ الخارجيةِ. أما غزة، فتتم إضافة 100 كيلومتر مربعٍ من سيناء المصريةِ إليها، وتتبعُ مصر في كلِّ الشؤونِ. باختصارٍ، إنها صفقةٌ ستجعلُ أبناءنا وأحفادنا يقرأون تاريخاً لا وجودَ فيه لفلسطينَ، وسيتساءلونَ عن المقصودِ بالأرضِ التي باركها الله في القرآنِ الكريمِ، فلا نجيبهم إلا بطأطأةِ رؤوسنا واجترارِ مواجعنا الإسلاميةِ والعربيةِ والإنسانيةِ. 2) السعوديةُ وصفقةُ القرنِ: رغم أنَّ كثيراً من الدولِ العربيةِ لها اتصالاتٌ بالكيانِ الصهيونيِّ، إلا أنها التزمتْ بأنَّ السلامَ الكاملَ مرتبطٌ بما يراه الفلسطينيونَ، ولم تعلنْ مواقفَ رسميةً معاديةً للشعبِ الفلسطيني. أما السعوديةُ، فقد كان الأمرُ فيها غريباً، فهي ديارُ الحرمينِ التي لا ينتظرُ العربُ والمسلمونَ منها إلا تمسكاً بالقدسِ وحقوقِ الفلسطينيينَ، لكنها انطلقتْ بعيداً في تخليها عن القضيةِ الرئيسية للأمةِ، وغصَّ إعلامها بكتاباتٍ لصحفيينَ وعلمانيينَ سعوديينَ يمجدونَ الصهاينةَ ويتحدثونَ عنهم بمودةٍ واحترامٍ، ويشتمونَ الشعبَ الفلسطينيَّ بأقذعِ العباراتِ، ويُظهرونَ احتقارهم لنضاله وتضحياته. وفي لقاءٍ لوليِّ العهدِ مع جماعةِ ضغطٍ صهيونيةٍ بالولاياتِ المتحدةِ، قالَ إنَّ على الفلسطينيينَ أنْ يخرسوا ويقبلوا بما يُقدمُ إليهم. وقال في لقاءٍ صحفيٍّ إنَّ من حقِّ اليهودِ أنْ يعيشوا على أرضهم (!!!). وآخرُ إبداعاتِ إعلامِ المملكةِ كان تعامله مع القدسِ كعاصمةٍ للكيانِ، إذ دعا عبد الحميد الحكيم إلى علاقاتٍ بين الرياضِ والقدس، ولم يقل تل أبيب. هذا الجوُّ الإعلاميُّ المشحونِ بالصهينةِ لا يعبرُ عن مواقفَ شخصيةٍ وإنما هو جزءٌ من سياسةٍ رسميةٍ تهدفُ لتشريعِ وجودِ الكيانِ والتخلي عن المقدساتِ. 3) السياسةُ الذبابيةُ: تشنُّ جيوشُ الذبابِ الإلكترونيِّ السعوديِّ التي يقودها دليم القحطاني حروباً شعواءَ ضدّ الإسلامِ والعروبةِ وكلِّ حرٍّ شريفٍ. وقبلَ أربعةِ أيامٍ، دشنتْ وسماً بعنوان: #صفقة_القرن_ برعاية_قطرية، ولم يتركْ الذبابُ شيئاً تقومُ به السعوديةُ إلا ألصقوه ببلادنا في حملةٍ ضاريةٍ من الشتائمِ والأكاذيبِ الذي تدلُّ على الانحطاطِ الأخلاقيِّ والقيميِّ الذي يتصفون به. والغريبُ في الأمرِ، أنهم لا يريدون أنْ يفهموا أنَّ بلادنا تتحدثُ عنها إنجازاتها وفضائلها التي لا يمكنُ لتخلفهم الحضاريِّ وانسلاخهم عن الإسلامِ والعروبةِ أنْ يؤثرا فيها. كلمةٌ أخيرةٌ: قد يعتقدُ الغرابُ أنه صقرٌ جارحٌ لكنَّ الطيورَ الجارحةَ حقاً ستراه دائماً على حقيقته كغرابٍ.