11 سبتمبر 2025

تسجيل

أعلام وأفكار (7)

10 يوليو 2015

ذكرنا أن الإمام الذهبي اعتمد على قواعد في محاربة التعصب يمكن استقراؤها من خلال ما كتبه في السير والتاريخ ، وكانت القاعدة التي مرت بنا في مقال البارحة : الحكم على المنطوق لا المفهوم ، وذكرنا أن واجب التفرقة بينهما أمر ضروي لمن تعرض للحكم على الناس وأراد أن يكون بعيدا عن التعصب للشخص أو الفكر ، والقاعدة الثانية التي أصَّلها الإمام الذهبي وسار عليها: لازم القول لا يعد قولا. والمعني أن الرجل إذا تكلم كلمة لها وجه يكفر به ، لا ينبغي الأخذ بهذا القول حتى يستبين الأمر ، فلازم القول قد يكون قولا عند رجل وغير مراد تماما عند آخر ، وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة فقال: "لازم قول الإنسان نوعان:أحدهما: لازم قوله الحق فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، و كثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.والثاني: لازم قوله الذى ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول؛ لو ظهر له فساده لم يلتزمه، لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لا يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه.وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب؛ هل هو مذهب أو ليس بمذهب، هو أجود من إطلاق أحدهما على القائل. فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله، وإن كان متناقضا..... فأما إذا نفي هو اللزوم؛ لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال، وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي r قاله؛ لكونه ملتزما لرسالته!".وذكر ابن حجر الهيتمي (974هـ) بطلان الأخذ باللازم لجواز أن يكون الناطق به لا يعتقده بل يعتقد عكسه .وهذا تأصيل قوي، والعمل به عند الحكم على الأعلام يضبط الانفعالات الطارئة من فهم النصوص أو الأخذ بلوازمها، ويجنب العمل الدعوي محاكمة العلماء على أقوال ربما لم يقصدوها، والحكم الذى يبنى على هذا أو على المفهوم المتبادر، قد يصاحبه الجور على المحكوم عليه، وهذا ما دعا العلماء إلى أن يضيفوا إلى المنطوق مطابقة المفهوم له، ويرون أن فقد الخبرة بمدلولات الألفاظ تحدث خللا في الحكم، يقول الإمام السبكي "كثيرا ما رأيت من يسمع لفظة فيتفهمها على غير وجهها، والخبرة بمدلولات الألفاظ ولا سيما الألفاظ العرفية التي تختلف باختلاف عرف الناس، وتكون في بعض الأزمان مدحا وفي بعضها ذما؛ أمر شديد لا يدركه إلا فقيه بالعلم، ومما ينبغي أن يتفقد أيضا حاله في العلم بالأحكام الشرعية، فرب جاهل ظن الحلال حراما فجرح به"وإذا كان القرآن قد حذر المسلم من الحكم إلا بعد التبين، فإن من الجور في الحكم على الأغيار: الأخذ بمفهوم قول لم يتثبت من إرادة القائل له.