13 سبتمبر 2025
تسجيلذكرنا في المقال الفائت أن الإنابة تعني الرجوع في اللغة، وتعنى هنا الرجوع إلى الحق.وقد ذكر صاحب المنازل أن الإنابة على ثلاثة أشياء: 1- الرجوع إلى الحق إصلاحا، كما رجع إليه اعتذارا.2- الرجوع إليه وفاء، كما رجع إليه عهدا.3- الرجوع إليه حالا، كما رجع إليه إجابة.يقول ابن القيم رحمه الله: لما كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته، كان من تتمة ذلك رجوعه إليه بالاجتهاد، والنصح في طاعته، كما قال {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} [الفرقان: 70] وقال {إلا الذين تابوا وأصلحوا} [البقرة: 160] فلا تنفع توبة وبطالة، فلا بد من توبة وعمل صالح، ترك لما يكره، وفعل لما يحب، تخل عن معصيته، وتحل بطاعته. وكذلك الرجوع إليه بالوفاء بعهده، كما رجعت إليه عند أخذ العهد عليك، فرجعت إليه بالدخول تحت عهده أولا، فعليك بالرجوع بالوفاء بما عاهدته عليه ثانيا، والدين كله عهد ووفاء، فإن الله أخذ عهده على جميع المكلفين بطاعته، فأخذ عهده على أنبيائه ورسله على لسان ملائكته، أو منه إلى الرسول بلا واسطة كما كلم موسى، وأخذ عهده على الأمم بواسطة الرسل، وأخذ عهده على الجهال بواسطة العلماء، فأخذ عهده على هؤلاء بالتعليم، وعلى هؤلاء بالتعلم، ومدح المُوفِين بعهده، وأخبر بما لهم عنده من الأجر، فقال {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} [الفتح: 10] وقال {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا} [الإسراء: 34] وقال {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} [النحل: 91] وقال {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} [البقرة: 177].وهذا يتناول عهودهم مع الله بالوفاء له بالإخلاص والإيمان والطاعة، وعهودهم مع الخلق.وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم «أن من علامات النفاق الغدر بعد العهد».فما أناب إلى الله من خان عهده وغدر به، كما أنه لم ينب إليه من لم يدخل تحت عهده، فالإنابة لا تتحقق إلا بالتزام العهد والوفاء به. وقوله: والرجوع إليه حالا، كما رجعت إليه إجابة.أي هو سبحانه قد دعاك فأجبته بلبيك وسعديك قولا، فلا بد من الإجابة حالا تصدق به المقال، فإن الأحوال تصدق الأقوال أو تكذبها، وكل قول فلصدقه وكذبه شاهد من حال قائله، فكما رجعت إلى الله إجابة بالمقال، فارجع إليه إجابة بالحال، قال الحسن: ابن آدم؟ لك قول وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرة وعلانية، وسريرتك أملك بك من علانيتك.