15 سبتمبر 2025

تسجيل

لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها

10 يوليو 2014

كان كثير من السلف لهم من القوة على ترك الطعام والشراب ما ليس لغيرهم ولا يتضررون بذلك. وكان ابن الزبير يواصل ثمانية أيام . وكان أبوالجوزاء يواصل في صومه بين سبعة أيام ثم يقبض على ذراع الشاه فيكاد يحطمها. وكان أبو إبراهيم التيمي يمكث شهرين لا يأكل شيئا غير أنه يشرب شربة حلوى. وكان حجاج بن فرافصه يبقى أكثر من عشرة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وكان بعضهم لا يبالي بالحر ولا بالبرد , كما كان علي ( رضي الله عنه ) يلبس لباس الصيف في الشتاء ولباس الشتاء في الصيف، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له أن يذهب الله عنه الحر والبرد، فمن كان له قوة على مثل هذه الأمور فعمل بمقتضى قوته ولم يضعفه عن طاعة الله فلا حرج عليه، ومن كلف نفسه ذلك حتى أضعفها عن بعض الواجبات فإنه ينكر عليه ذلك. وكان السلف ينكرون على عبدالرحمن ابن غنم حيث كان يترك الأكل مدة حتى يعاد من ضعفه. - القسم الثالث : ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم والأغلب، وقد يخرق العادة في ذلك لمن يشاء من عباده وهو أنواع: - منها ما يخرقه كثيرا ويغني عنه كثيرا من خلقه كالأدوية بالنسبة إلى كثير من البلدان وسكان الوادي ونحوها. وقد اختلف العلماء هل الأفضل لمن أصابه المرض التداوي أم تركه لمن حقق التوكل على الله؟ فيه قولان مشهوران، وظاهر كلام أحمد أن التوكل لمن قوى عليه أفضل لما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ("يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب، ثم قال: هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" ) - ومن رجح التداوي قال: إنه حال النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يداوم عليه وهو لا يفعل إلا الأفضل وحمل الحديث على الرقى المكروهة التي يخشى منها الشرك بدليل أنه قرنها بالكي والطيرة وكلاهما مكروه ومنها ما يخرقه القليل من العامة كحصول الرزق لمن ترك السعي في طلبه، فمن رزقه الله صدق يقين وتوكل وعلم من الله أن يخرق له العوائد ولا يحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق ونحوه جاز له ترك الأسباب ولم ينكرعليه ذلك، وحديث عمر (رضي الله عنه ) هذا الذي نتكلم عليه يدل على ذلك. ويدل على أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يتعبون أنفسهم في الأسباب ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي ولكنه سعي يسير، وربما حرم الإنسان رزقه أو بعضه بذنب يصيبه كما في حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه") وفي حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ("لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم" ) , وقال عمر (رضي الله عنه) : (بين العبد وبين رزقه حجاب فإن قنع ورضيت نفسه أتاه الله رزقه، وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يزد فوق رزقه). وقال بعض السلف: (توكل تسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف ). قال سالم بن أبي الجعد: ( حدثت أن عيسى عليه السلام كان يقول: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، وإياكم وفضول الدنيا، فإن فضول الدنيا عند الله رجز، هذا طير السماء يغدو ويروح ليس معه من أرزاقه شيء لا يحرث ولا يحصد ويرزقه الله. فإن قلتم إن بطوننا أعظم من بطون الطير فهذه الوحوش من البقر والحمير تغدو وتروح ليس معها من أرزاقها شيء لا تحرث ولا تحصد يرزقها الله ). خرجه ابن أبي الدنيا.