25 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورة عقل

10 يوليو 2012

كان الرجل يقرأ أفكاره ويحلم بصوتٍ عالٍ والجمهور صامت مبتسم، يصغي إلى كلّ كلمة بإعجاب، يتقدّمهم رئيس البلاد، الناس يستمعون ويهزّون رؤوسهم، وزراء وقادة جامعات وصحفيون.. ثمة من يكتب ملاحظاته، وثمّ من يكتفي بمتعة الإصغاء. والرجل يتكلم في معلومة علمية يلوكها بأعجميتها ثم يستعين بعربيته (المصرية) ويداعب هذا ويطري على ذاك، يمزج العلم بالثورة والسياسة وينتقد بلباقة، ويبث الأملّ بواقعية. والجمهور الذي يزيد على المائة مأخوذ بمحدثه وعلى رأسهم الرئيس. وذلك في الأمسية التي التقى فيها العالم المصري أحمد زويل مجموعة من المهتمين بالبحث العلمي في تونس في إطار فعاليات حوارات قرطاج، وفيها أثار أول عالم عربي يحوز جائزة نوبل مجموعة من القضايا، بدءاً بالنظر إلى المستقبل في ضوء الثورات العربية، مروراً بمعاناة الباحث العربي، وانتهاء بشروط النهضة العربية الجديدة. يضيف أحمد زويل إلى نبوغه العلمي حضوره التشخيصي الباهر، فالرجل يمتلك كاريزما قلّ أن يمتلكها رجل علم، بل قلما يمتلكها رجل سياسة، واثق من نفسه، يبسط المعلومات المعقدة التي تكوّن مادة محاضراته، بالإضافة إلى روحه المرحة المتفائلة التي تجعل من المحاضرة العلميّة المعقدة جلسة سمر حاضرة المتعة.ولعلّ هذه الصفات جعلت من زويل نجماً تلفزيونياً في بلده مصر وفي البلدان الأخرى، ولهذا سيشاهد المتتبع لمحاضرات زويل أكثر من رابط يتيح مشاهدة كثير من المقاطع الفلمية التي تسجل حضور الرجل. كان واضحاً أن زويل يعيد إلى الثورة لون الحلم الذي كادت تفقده في تداعيات العملية السياسية في مصر وتونس، أراد الرجل أن يقول إن الثورة لم تبدأ بعد، ثورة العقل العربي التي يجب أن تبنى على نجاح ثورتي مصر وتونس، فمن الخطل أن تتوقف ثورة الشارع التي استكملت إنجازها في إسقاط المنظومة السياسية التقليدية، ويجب أن تبدأ ثورة العقل العربي بتوفير الأطر الملائمة، الثورة التي تستند بحسب زويل إلى أقانيم الحرية والمعرفة والإرادة. ويقدم الرجل دليلاً ملموساً من تجربته في مصر، إذ يتصدى الرجل لمشروع واعد عملاق في بناء مدينة زويل التي تتيح لكثير من العلماء الشباب أن يعملوا مع أساتذتهم في فتح قناة للعلماء العرب المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها بحثاً عمّن يحتضن مواهبهم. واستطاع حتى الآن أن يجمع مليار جنيه من تبرعات رجال أعمال وتبرعات شعبية، ومازال يأمل أن يستكمل باقي المال البالغ عشرة مليارات جنيه. واعداً أن يستقبل المركز كلّ صاحب كفاءة دون النظر إلى وضعه المادي، لافتاً إلى أنه سيجمع في مدينته بين إتقان اللغة الإنكليزية وحضور العربية في المكان لغةً وثقافة ولسان حلم. وبرغم أن زويل لا يعدم منتقديه في مصر بداعي أنه صار نجم شاشة منذ فوزه بنوبل عام 2009، وما زال ينفخ في روح مشروعه منذ زمن، في حين أن زميله في الشهرة والعبقرية جراح القلب العالمي مجدي يعقوب قد أسس مركزاً لأمراض القلب في أسوان، يعالج الفقراء مجاناً، دون الضجة التي أحدثها أحمد زويل. لعلّ ذلك من لوازم الحرية والنقد العالي الخارج من دون هدف، فالنقد لم يتوقف عند هذا، بل اتهمه أحد أعضاء مجلس الشعب بأنه تبرع بنصف قيمة جائزة نوبل لإسرائيل، الأمر الذي جعل الرجل يضحك بألم. فعلاً نحن بحاجة إلى ثورة عقل.