31 أكتوبر 2025
تسجيلإن اعتبار الدعاة لمثل هذا الضابط يجعلهم ينظرون إلى المحكوم عليه: عالماً أو اتجاهاً فكرياً أو جماعة من زوايا متعدّدة وهي: 1 — العالم ليس معصوماً من الخطأ، وخطؤه الذى أداه إليه اجتهاده ولو كان في دقيق المسائل مغفور له إن شاء الله. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العملية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإن كان الله يغفر لمَن جهل تحريم الخمر؛ لكونه نشأ بأرض جهل، مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه، إذا كان مقصوده متابعة الرسول، صلى الله عليه وسلم، بحسب إمكانه، هو أحق أن يتقبّل الله حسناته، ويثيبه على اجتهاداته، ولا يؤاخذ بما أخطأ تحقيقاً لقوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}". 2 — تجنّب تأثيم المخالف في الفروع العلمية أو حتى بعض المسائل الأصولية، وهذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهداً مخطئاً في المسائل الأصولية ولا في الفرعية كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره، وقالوا: هذا هو القول المعروف، عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين: إنهم لا يكفّرون، ولا يفسّقون، ولا يؤثّمون أحداً من المجتهدين المخطئين لا في مسائل عملية ولا علمية، قالوا: والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع: من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية، ومن سلك سبيلهم. 3 — الأخذ عن المخالف فيما أصاب فيه: فإذا ثبت أن العالم غير معصوم وأنه مأجور على اجتهاده أصاب الحق أو أخطأه، فليس هناك أي مبرّر لعدم الأخذ عنه فيما أصاب؛ لأن شهادة أهل الأهواء لا تردّ؛ إذ الثقة حاصلة بشهادتهم حصولها بشهادة أهل السنة، ومدار قبول الشهادة والرواية على الثقة بالصدق، وذلك متحقّق في أهل الأهواء تحقّقه في أهل السنة". والإمام البخاري رحمه الله لم يهجر رواية عمران بن حطان (84هـ) فقد روى عنه في موطنين من صحيحه مع أن عمران من الخوارج، وهو الذى مدح ابن ملجم قاتل سيدنا علي، وكان ابن ملجم كما يقول ابن كثير: "أكبر الدعاة إلى البدعة!" ومع ذلك لم يهجر الإمام البخاري ما صحّ عنه من علم. بل إن هجر كلّ مخالف عند التحقيق أمر متعذّر، فالخلاف حاصل في دقيق المسائل وكبيرها، ولو تُرك كلّ مخالف لاستحال أن يجد الداعية مَن يأخذ عنه، وهذا ما أنكره يحيى بن سعيد القطان (198هـ) حين ذكر له أن عبدالرحمن بن مهدي قال: أنا أترك من أهل الحديث كلّ مَن كان رأساً في البدعة فضحك يحيى بن سعيد، وقال: كيف يصنع بقتادة؟ كيف يصنع بعمر بن ذر الهمذاني؟... وعد يحيى قوماً أمسكت عن ذكرهم، ثم قال يحيى: إن ترك عبدالرحمن هذا الضرب ترك كثيراً. ويقول علي بن المديني (234هـ): "لو تركت أهل البصرة لحال القدر، ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي - يعنى التشيّع - خربت الكتب". وعليه فإن تعميم الهجر على كلّ مخالف أمر متعذّر وهو فوق ذلك مرفوض شرعاً، وقد أنكره شيخ الإسلام حين ذكر أن: " أقواماً جعلوا ذلك عاماً، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبّات، وفعلوا به محرّمات، وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية، فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية".