11 سبتمبر 2025

تسجيل

مهمة إسرائيل المستحيلة

10 يونيو 2024

جميع ما أقدمت عليه إسرائيل في قطاع غزة، منذ عملية طوفان الأقصى المجيدة، من ارتكاب مجازر وحشية غير مسبوقة، وتدمير أكثر من 70% من بنية قطاع غزة، والتسبب في ترحيلات قصرية لملايين الغزاويين، ومجاعة، وأوضاع إنسانية لم ترتكبها حتى النازية. كل ذلك، يصبو إلى هدف واحد فقط-معلن أكثر من مرة بالمناسبة- وهو القضاء على حركة حماس تماما. بل حتى موافقة إسرائيل المبدئية على صفقات تبادل الأسرى ووقف العنف، وكان آخر ذلك الموافقة على مقترح الرئيس بايدن الثلاثي، هو مناورة تكتيكية لم تثن إسرائيل عن الهدف الرئيسي. وسبق وأن أشرنا مراراً في مقالات سابقة عن دوافع إصرار إسرائيل على القضاء على حماس. لكن في هذا المقال سنعمل على تأكيد أن هذا الهدف هو بمثابة مهمة مستحيلة لإسرائيل عبر زوايا نقاش مختلفة. حماس ليست حركة إرهابية كما تسعى إسرائيل والقوى الداعمة لها تصنيفها هكذا منذ سنين، حماس حركة مقاومة مسلحة شرعية ضد احتلال غير مشروع بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وهذا الجانب الذي يمكن نعته بالمعنوي أو الرمزي؛ هو المنطلق الأساسي لاستحالة القضاء على حماس من قبل إسرائيل أو غيره. حماس ليست مجموعة أفراد وقادة، بل هي بنيان فكرى أو إيديولوجي بالأساس «لمقاومة احتلال». ومن ثم، فالتصور بأن القضاء على حماس يكمن في القضاء على أفرادها وقادتها الرئيسيين، تصور ينطوي على مغالطة ساذجة للغاية. فالأفراد والقادة سيرحلون عموما يوما ما بأي وسيلة أو لأية سبب ما، لكن الأيديولوجية لن تموت. وبالتالي، فحماس كأيديولوجية لن تموت، بل ستظل باقية وتعيد تجديد نفسها عبر دماء جديدة. لا سيما وأن أيديولوجية حماس الرئيسية هي «المقاومة» واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في ظل انسداد أية أفق سياسية. وعليه أيضا، فتلك الأيديولوجية المشروعة فكرياً وقانونياً، إذ أن مقاومة الاحتلال حق راسخ وفقا لميثاق الأمم المتحدة. ستؤدى بدورها إلى نشوء المئات من حركات المقاومة، أو ألف حماس أخرى لكن بأسماء مختلفة. وهذا على النقيض تماما من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، كداعش مثلا، التي تعتنق أيديولوجية متطرفة للغاية بلا شك لكنها مرفوضة تماما فكريا وشرعيا وقانونيا. ولعل هذا يفسر سبب تراجع قوة داعش منذ إعلان التحالف الدولي ضدها في 2015 بمشاركة دول عربية وإسلامية. علاوة على ذلك، لا تمتلك الأيديولوجية المتطرفة لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، المسوغات القوية للاستمرار وتجديد دمائها. القضاء على حماس تماماً في قطاع غزة أو طردها من القطاع-عمليا وليس معنويا- يتطلب السيطرة الإسرائيلية التامة على القطاع وإخلاء سكانها بالكامل البالغ عددهم نحو 2 مليون. فمادام هناك غزاويون، ستتجدد حماس أو غيرها من حركات المقاومة. قد كتب وقيل الكثير جدا عن صفقات لتصفية القضية الفلسطينية تماما، تستند على إخلاء فلسطين التاريخية تماما من الفلسطينيين والعرب. الشاهد في الأمر، أن عملية طوفان الأقصى، قد قطعت الشك باليقين أن تلك الصفقات مجرد تكهنات فارغة أو سيناريوهات خيالية حتى للمؤمنين بها. إذ من ضمن ما كتب مؤخراً في هذا الصدد-وهو محض هراء بالطبع- أن الممر الإنساني البحري الأمريكي في غزة المزمع إنشاؤه، هو في حقيقته خطة متفق عليها لترحيل سكان غزة أو توزيعهم في أوروبا وكندا وأستراليا. والحقيقة التي لا شك فيها، أن فكرة إخلاء القطاع تماما من سكانه، فكرة مستحيلة. فضلا عن ذلك، ما هي الدولة التي لديها الاستعداد وتحمل المسؤولية التاريخية لاستقبال أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ. فمصر التي ترمي أغلب السيناريوهات عليها، أعلنت اكثر من مرة، وعبر الرئيس السيسي رفضها التام لذلك لأنه يعني تصفية القضية الفلسطينية. فضلا عن ذلك، هل سيكون هذا الترجيل نهائيا، أي عدم إمكانية للعودة ونسيان فلسطين تماما، نعتقد أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين، بما في ذلك سكان غزة الذين يعانون معاناة رهيبة، لن يقبلوا بذلك تماما. من ضمن الأسباب العملية لاستحالة القضاء على حماس، والتي برهنت عليها السوابق المختلفة، هي الصعوبة البالغة في أن يحقق جيش نظامي انتصارا ساحقا أو كاملا مع حركات أو منظمات مسلحة شبه نظامية. والشاهد على ذلك، خسائر قوات الاحتلال المتوالية منذ اقتحامه معبر رفح. وفى البيان الأخير، ثمة العديد من الأسباب الأخرى المعنوية والعملية-لن يتسع المقال لسردها- التي تجعل مهمة إسرائيل للقضاء على حماس مهمة مستحيلة. لكن أهم ما يمكن الخلوص إليه في هذا الصدد أن ظهور واستمرار حركة مقاومة مقترن بوجود واستمرار احتلال غير مشروع.