13 سبتمبر 2025

تسجيل

فقد الموت هيبته

10 يونيو 2015

حين نكتب عن الموت، فليس لأنّنا نندب، ولكن لأننا نكتشف أشياء جديدة في مخضه، وتجميع ما يخصنا من زبدته، في علاقتنا بالكائن الذي يلامس حيواتنا بطريقة مختلفة منذ أربع سنوات، كنّا ندهش لاكتشافات شعراء من فلسطين ولبنان والعراق عنه، كانت تراجيديانا الحقيقية لا تزال جنيناً، يومها كنت أدهش لشوقي بزيع وهو يرى موت الجدّ تقدماً من الموت درجة واحدة، وكنت أدهش لمريد البرغوثي يحنّ على الموت بعدما طرده أهل القرية، ويقول له: "تعال/ إلى أين تلجأ في مثل ليلٍ كهذا؟". وربما طوّر هذا المعنى ابنه تميم عندما جعل الموت مجنوناً.أتذكّر هيبة الموت القديمة، الهيبة الكلاسيكية لطيور غريبة تحوم حول الديار، وتغادر بعدما يخطف الموت أحدنا (عجوز في الغالب) فيلتئم الشمل، ويقترب الناس من بعضهم، في مواجهة عدو أسطوري، لا طاقة لهم بردّه، غير الامتثال الجماعي لنشيد يمجّد، ضعفنا وهشاشتنا.أكتب هذا وقد جاءني خبر وفاة ابن خالتي "عليّ" وقد سبقه ابن عمّ لي هو "عليّ" كذلك، وصديق وقريب هو "عليّ" وابن خالي "إبراهيم" في حربٍ تركتنا جميعاً على قارعة المعنى، فكلّ هؤلاء " العليّين" يدفعون ثمن ثارات الحسين وبني أميّة، وأجزم ألاّ أحد منهم قرأ تلك الحقبة الموجعة، وامتلك رصيده التاريخي من الحقد، واتجاهه من هذا الاستقطاب العنيف ليكون على الأقلّ مستحقاً لموته.القتل المجاني هروب من السلام الحقيقي، لأن السلام مكلف وباهظ، وكل من يقتل الآن فهو جبان، لأنه يهرب من السلام. أكتب لأن الموت لم يعد عدواً جليلاً، ولم يعد منطقياً، وكأنه محاصر في منطقة مكشوفة، فيطلق النيران في كلّ اتجاه.في الحروب يخاف الآباء من كسر التراتبية المتوارثة في ناموس الكون، حين يسلمون الحياة للأولاد بوصايا ومواريث، وينامون بهدوء، ولكنهم في الحرب يلعنون الحظ الذي لم يمكنهم من لعب مباراة اعتزال يبكون "اللفة" الأخيرة حول الملعب. الحرب أساءت إلى الموت، الموت ليس هكذا، نريد موتاً آمناً أيها السادة.. رحمك الله يا علي.