27 أكتوبر 2025

تسجيل

مقطع من رواية

10 يونيو 2013

أول شيء فعلته حين عدت من رحلتي الماليزية الرائعة، هو أن بحثت عن أم سلمة، وكانت أرملة متوسطة العمر، لديها ولدان في سن المراهقة، تقيم في حي شعبي بعيد، وتأتي لترتيب بيتي وإعداد طعامي مرتين أو ثلاث أسبوعيا.  كنت أقيم في حي جيد وسط العاصمة، في بيت ورثته عن أهلي، ولم أكن متزوجا، ولم أنو الزواج قط بعد طلاقي منذ سبع سنوات من امرأة كانت تحبني وأحبها، لكنها لم تحتمل الحياة لصيقة بالهوس الكتابي والسفر المتواصل، ونوبات التشاؤم والإحباط، وجوقات النساء المغردة دائما في أي حقل ثقافي.  كان بيتي في الواقع، محصنا جيدا من الزيارات المفاجئة وغير المفاجئة، لا يعرفه إلا القليلون، ولم يكن يزورني في الغالب، سوى أخي الوحيد معاذ، الذي يعمل منسقا للإغاثة، في منظمة طوعية، ويعيش في إحدى مدن الأقاليم البعيدة غرب البلاد، ولا يأتي إلا مرتين في العام، ليقضي وقته ليس معي ولكن متسكعا برفقة أصدقاء له، في العاصمة التي لا نحفل في العادة ببريقها كما يحفل به سكان الأقاليم، وفي أحيان قليلة، كانت تزورني ملكة الدار، الداية المسنة المتقاعدة، وأمي الروحية كما أسميها، وكانت قد ساعدتني كثيرا في بداياتي، لكني كنت ألتقي بأصدقاء وقراء في مقاه متعددة، وبشكل شبه مستمر. وقد أتاحت لي تلك العزلة البيتية القاسية، تنظيم مكتبتي بمزاجي، في الصالة الرئيسة للبيت، وإنشاء فرعين لها في غرفتين متجاورتين، بينما بقيت غرفة نومي الرئيسة، خالية من كل ما له علاقة بالقراءة والكتابة، ولا أحمل إليها حين أدخلها، إلا نعاسي أو أرقي فقط.  ورغم أنني استقلت من عملي مدرسا للرياضيات في المدارس المتوسطة، منذ زمن طويل، ولم أمارس نشاطا وظيفيا مقيدا بعد ذلك، إلا أنني كنت أحيا بطريقة أو بأخرى. صحيح أن أثاث بيتي كان متواضعا للغاية، لكني أحب تواضعه، وأنني لا أملك عربة حديثة كالتي يملكها السماسرة والطفيليون، لكن عربتي القديمة المتوعكة في أغلب الأيام، من ماركة كورولا اليابانية، كانت تؤدي واجبها جيدا في تنقلاتي المحدودة. في الصباح التالي وأنا منغمس في توابل الكتابة الشرقية التي عدت بها، ومحاولات جرها إلى الورق لكتابة نص مغاير كما أعتقد، رن هاتفي المحمول. كانت مكالمة من نجوم، الفتاة المتعجرفة جدا، التي أعرفها منذ عامين، وأحب عجرفتها في أحيان كثيرة. كانت تتعالى حتى على تنفسها، فلا تستخدمه إلا بمقدار. تتعالى على الوطن وسكانه، ومقتنعة تماما، إن النجوم البعيدة في السماء، هي التي سميت على اسمها، وليس العكس.  كانت ثيابها تقليدية، لا تتبع تفصيلات الحداثة، لأنها لا تحب الانبهار بموضات هذا العصر، ولا أي عصر آخر، عطورها خليطا من أنواع مختلفة من العطور المحلية والأجنبية، حتى لا تحس بأسر عطر واحد كما تقول. ونظرتها للرجال، يمكن تلخيصها في جملة واحدة فقط: نظرة ليست على ما يرام.