03 نوفمبر 2025
تسجيلليس من المستغرب تأخر البرلمان الكويتي في إقرار موازنة السنة المالية 16/2015. فقد تبين من تجربة السنوات القليلة الماضية استمرار المداولات بشأن الموازنة بعد فترة من دخول السنة المالية الجديدة حيز التنفيذ. تتضمن الأسباب النموذجية لهذا التأخير إمكانية وجود حاجة لإعادة ترتيب جانب من نفقات الموازنة العامة من جهة ومطالب النواب للحصول على إعانات إضافية للمواطنين من أجل إرضاء ناخبيهم من جهة أخرى. عادة تحصل حالات أخذ ورد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بخصوص العطايا، حيث يطالب النواب بمنح المواطنين فرصة الاستفادة بشكل أكثر من ثروات البلاد عملا بمبدأ إعادة توزيع الثروة بين المواطنين. بيد أنه حصل المزيد من التعقيد هذه المرة لعملية إقرار الموازنة العامة في ظل تراجع أسعار النفط، بدءا من صيف 2014. وهذا يترجم إلى صعوبة تقديم المزيد من المنح للمواطنين في ضوء استمرار بقاء أسعار النفط متدنية لنحو 9 شهور.في إطار دول مجلس التعاون الخليجي الست، تبدأ السنة المالية في كل من قطر والكويت في شهر أبريل. بدورها، تنشر البحرين، صاحبة أصغر اقتصاد خليجي، موازنة سنتين ماليتين في فترة واحدة. وقد تأخرت الجهات الرسمية في البحرين في الإفصاح عن الموازنة العامة، حيث تم تحويل مشروع الموازنة للسلطة التشريعية بداية شهر مايو. في المقابل، تنطلق السنة المالية في السعودية والإمارات وعمان مع بدء السنة الجديدة مع موازنة سنوية. عودة لموضوع المقال، أقرت الحكومة الكويتية الموازنة العامة الجديدة قبل تحويل المشروع على البرلمان من أجل الإقرار والتصديق النهائي. في التفاصيل، تبلغ قيمة الإيرادات المتوقعة قرابة 40.7 مليار دولار، متراجعة بصورة نوعية عن عوائد السنة المالية الفائتة والمقدرة بنحو 71.4 مليار دولار. يعود تغير الأرقام بشكل جوهري لهبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية بالنظر لمساهمة القطاع النفطي بنحو 88 بالمائة من دخل الخزانة العامة في السنة المالية الجديدة ما يعد مسؤولا عن تمويل النفقات. كما تم تحديد خط المصروفات بنحو 64.5 مليار دولار، مقارنة مع 77 مليار دولار في الموازنة السابقة. كما هو الحال مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، يمثل القطاع النفطي حجر الزاوية بالنسبة للاقتصاد الكويتي. يستحوذ القطاع النفطي على 85 بالمائة من الصادرات و40 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وربما تراجعت الأهمية النسبة للقطاع النفطي في الآونة الأخيرة من الناحية الإحصائية في خضم تراجع أسعار النفط. مهما يكن من أمر، يبقى الاقتصاد الكويتي رهين تطورات سوق النفط العالمية.يبلغ حجم الإنتاج النفطي الكويتي قرابة 2.7 مليون برميل وبالتالي تعد دولة مهمة ولكن ليست بالضرورة مؤثرة بالنسبة لاتجاهات الأسعار. في المقابل، يزيد الإنتاج النفطي السعودي على 9 ملايين برميل في اليوم، وعليه تعتبر أكثر تأثيرا على الأسعار بالنظر لكونها أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم.اللافت أن العجز المرصود للسنة المالية 16/2015 في حدود 27.8 مليار دولار وليس 23.8 مليار دولار كما توحيه الأرقام. يعود الأمر إلى وضع 10 بالمائة من إيرادات الخزانة العامة في صندوق خاص بالأجيال القادمة.حقيقة القول، تتميز الكويت بهذا المشروع الحضاري والذي يهدف لتحقيق أغراض تتضمن ضمان وصول ثروات الكويت لمختلف الأجيال وعدم السماح لجيل معين باستغلال ثروات البلاد على حساب الآخرين. بالعودة للوراء، استفادت السلطة في الكويت من احتياطيها لتمويل عملية تحرير الكويت في عام 1990 بعد فترة ليست مطولة من الغزو العراقي. وربما عجلت ظاهرة توافر كمية كافية من الأموال في تسريع نجاح إعادة تحرير البلاد. لا شك، بمقدور المسؤولين الاستفادة بيسر من الثروة السيادية للبلاد والمقدرة بنحو 456 مليار دولار وذلك حسب أحدث إحصائيات معهد الثروة السيادية. يتمتع المعهد بمصداقية في مجال الثروات السيادية. يعد هذا الرقم ضخما ويزيد لأكثر من ضعف الاقتصاد الكويتي والبالغ 182 مليار دولار. تعزز هذه الحقيقة نوعا من الثقة في المعاملات الدولية عند التعامل مع الكويت. بكل تأكيد، تشمل الخيارات الأخرى بالنسبة للكويت الذهاب إلى أسواق رأس المال للحصول على التمويل. وفي هذا الصدد، تتمتع الكويت بملاءة مالية مميزة تؤهلها للحصول على تسهيلات مصرفية في حال توافرت الظروف المناسبة بما في ذلك فترات السداد. حديثا فقط، أعادت مؤسسة ستاندرد أند بور التأكيد على استحقاق الكويت ملاءة من خانة (الأي) بالنسبة للمدين القصير والطويل فيما يخص الالتزامات بالعملات المحلية والأجنبية. ويضاف لذلك الاحتفاظ بنظرة مستقبلية مستقرة. بدورها، تحمل وكالة موديز تصورات إيجابية عن واقع الاقتصاد الكويتي، الأمر الذي يعكس قناعة الجهات العاملة في حقل الائتمان بمتانة الأوضاع المالية للكويت. باختصار، تتمتع الكويت بظروف مالية مميزة وملاءة حسنة على الرغم من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار دور القطاع النفطي في إدارة دفة الاقتصاد الكويتي. وفي هذا الصدد، يمكن تفهم بعض أسباب عدم انزعاج مؤسسات الملاءة مع الكويت في ظل وجود خضم احتياطي مالي قوي وشبه غياب المديونية العامة. ويمكن القول بكل أريحية بأن النظام المالي في الكويت على ما يرام، على الرغم من بقاء أسعار النفط منخفضة لعدة شهور متتالية. بالنظر للأمام، يواجه الاقتصاد الكويتي تحدي توفير فرص عمل مناسبة جديدة للمواطنين وهو الأمر الذي تعقد مع انخفاض حجم مخصصات النفقات بسبب ضغوط الإيرادات. المشهور أن نحو 90 بالمائة من المواطنين يعملون في الدوائر الرسمية والمؤسسات التابعة للقطاع العام مثل النفط والطيران. من الناحية النظرية، توفر ظاهرة انخفاض أسعار النفط ضغوطا من أجل السعي لتحقيق تنويع للاقتصاد بعيدا عن القطاع النفطي ربما من خلال الاستثمار على مشاريع البنية التحتية، مثل إنشاء مشروع للمترو.