30 أكتوبر 2025
تسجيللا يعرف الإسلام العلاجات التي تخدر ولا تداوي، وتمسح الظاهر ولا تنفذ إلى الباطن، بل يضع تصوراً عريضا لإزالة المرض بإزالة أسبابه، حتى يجعل من الضعيف الهش قوياً ومن الجلد الخشن ضعيفاً، فالصغير ينبغي أن يكون مرحوماً من الكبير القوي، كما أن الكبير يجب أن يكون مقدراً من الصغار، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا"، وإذا اخترق أحد تلك المنظومة العامة أتى الإسلام ليرده إلى الجادة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم"، ومن الأمور التي جعلها الإسلام حدوداً لا يجوز ولا يصلح تجاوزها: الاعتداء على مشاعر الناس وأحاسيسهم، وكان حرص النبي صلى الله عليه وسلم واضحاً في تعليم أصحابه، وترسيخ ذلك في نفوسهم قولا وعملا، وفي الأمثلة القادمة ما يدل على ذلك: 1 — مراعاة المشاعر بمراعاة الضرورات البشرية، جاء في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: "أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، وفي رواية رحيماً رقيقاً، فلما ظن أنّا قد اشتقنا إلى أهلنا، وفي رواية قد اشتهينا أهلنا، سألنا عن من تركنا فقال صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى أهليكم فمروهم وعلموهم وأقيموا فيهم الصلاة" فراعى النبي صلى الله عليه وسلم حال هؤلاء الشباب واشتياقهم إلى أهلهم. 2 — مراعاة المشاعر بمراعاة الحياء الخلقي، ومن ذلك ما راعى به النبي صلى الله عليه وسلم حياء عثمان يوم أن استأذن عليه أبو بكر، وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً فأذن له وهو على هيئته، وكذلك استأذن عمر فأذن له وهو على هيئته، كذلك، فلما استأذن عثمان اعتدل النبي صلى الله عليه وسلم فقضى له حاجته وانصرف، فقالت عائشة رضي الله عنها: يارسول الله استأذن أبو بكر وعمر فلم تفعل معهما ما فعلت مع عثمان، فقال: يا عائشة، إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له وأنا على هذه الحالة ألا يبلغني حاجته. 3 — مراعاة المشاعر بمراعاة الطبيعة الجِبِلِّية، فبعض الناس مجبول على أمر، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعيه، ومن ذلك مراعاته لغيرة عمر، قال صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة ورأيت قصراً وبجواره جارية تتوضأ وفي رواية وضيئة، فقلت: لمن القصر، فقالوا: لعمر بن الخطاب، فتذكرت غيرتك يا عمر فوليت مدبراً فبكى عمر، وقال: أوَ عليك أغار يا رسول الله؟. 4 — مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر الحيوانات، ومن ذلك ما رواه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يحلب شاة، فقال: أي فلان إذا حلبت شاة فأبقِ لولدها فإنها من أبر الدواب"، فراعى النبي صلى الله عليه وسلم مشاعر الشاة حتى لا تحزن على ولدها، إذا التقم ضرعها ولم يجد فيه لبنا، بل تعدى الأمر إلى الجمادات، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على جذع نخلة، فلما صُنع له منبر خطب على المنبر، فبكى الجذع حتى سُمع له حنين كحنين الناقة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على الجذع، وقال له اسكن فسكن.