13 سبتمبر 2025
تسجيلأخبرني أنه يتوضأ في ساعة، وتضيع منه الجماعة، حتى فقد قدرته على التحكم في ذاته أو الحصول على دواء لدائه، ويسأل عن الطريق للخروج من هذا الضيق؟ فقلت له: ذكرتني برجل ذهب إلى الإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي وقال له: يا إمام: إنني أنغمس في الماء مرة، ومرتين، وثلاثاً، ثم أخرج منه، وأنا أشك هل ارتفعت الجنابة عني أم لا! هل اغتسلت أم لا! فقال له الإمام رحمه الله: يا بني اذهب فقد سقطت عنك الصلاة! فقد صح عن النبي قوله: {رفع القلم عن ثلاثة.. والمجنون حتى يفيق} وأنت مجنون!.أراد ابن عقيل أن يلفت نظر السائل إلى أن تماديه خلف وسواسه أضر به، وجعله أقرب إلى المجنون منه إلى الصحيح، ولو تتبع الهدي الوارد في السنة لأغناه ذلك عما وقع فيه من مهالك .إن الوسوسة لها أسباب متعددة تعود في النهاية إلى سببين ذكرهما ابن الجوزي في كتاب "التبصرة في الوسوسة" نقلا عن الأئمة: النووي والغزالي وابن الجوزي رحمهم الله، فقال: إن الوسواس لا يكون إلا بأحد سببين:-إما نقص في غريزة العقل.-وإما جهل بمسالك الشريعة.وهما بحق أصل الداء، وأساس البلاء، ودواء ما وقع فيه من ابتلاه الله بذلك: هين وخلاصته في التهوين لا التعظيم والخروج من الظن إلى اليقين.وهذا ما بينه محمد- صلى الله عليه وسلم- في أعظم القضايا وأخطرها: قضية الاعتقاد والإيمان، فقد جاء بعض الصحابة يشتكون إليه ما يجدون من وسوسة الشيطان، فهون النبي عليهم ما عظمه الشيطان في نفوسهم، وردهم إلي يقين ما في قلوبهم فقال لهم: {هل وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان، الحمدالله الذي رد كيده إلى الوسوسة}، أخبرهم -صلى الله عليه وسلم- أن ما أصابهم كان بسبب عمق إيمانهم؛ وقوة عقيدتهم، وثبات الحق في قلوبهم، لأن الشيطان إنما يوسوس في القلب الذي فيه إيمان، واللص لا يتسور البيت الخرب، وإنما يتسور البيت المليء بالحلي والذهب، ثم أمرهم النبي بالاستعاذة منه دون الالتفات إليه، ولا بأس مع ذلك من إظهار الاستخفاف به، ونعته بالسخف أو الكذب، هكذا وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته فقال: "إن الشيطان إذا جاء إلى أحدكم فقال: إنك أحدثت، فليقل له كذبت". الحياء لا يأتي إلا بخير