12 سبتمبر 2025
تسجيللعل أمراً يحدث معنا جميعاً، ونفسره بطرق مختلفة.. أو أحياناً نقف أمامه بكل حيرة وتعجب.. وقد نلقي بالأمر في نهاية المطاف إلى الأقدار.. إنه ذلك الإحساس الذي يجتاحنا حين نعرف أحدهم عن بعد.. حتى ولو لم نلتقه.. أو حين نقابل أحدهم ولو لمرة واحدة أو لفترة قصيرة فنجد أنفسنا ودون أن نشعر.. نرسي مراكبنا جميعها على شواطئه، ونفتح له دفاترنا ليقرأها دون تردد.. ونشعر بأنه الجزء المفقود من ذواتنا.. وما إن وجدناه حتى اكتملت به أنفسنا، ودون أن نعرف حتى مبرراً لذلك الشعور الغريب وتلك الكيمياء التي سمعنا عنها وقد نكون قد أنكرنا وجودها ذات يوم، حين قال علماء الكيمياء "الكيمياء هي الحياة" أو (life is chemistry) مؤكدين أن تناغم الأرواح ما هو إلا كيمياء عجيبة تتفاعل مركباتها بداخلنا وتنتج عنها ردود أفعال مختلفة.. لكنها خلافاً للكيمياء التي نعرفها لا تخضع للقوانين ولا المعادلات ولا يملك أحد عناصر تركيبها في المختبر فهي تتفاعل تلقائياً وتعمل بداخلنا كقطب المغناطيس.. تجذبنا لهذا وتنفرنا من ذاك.. وتحرك مشاعرنا باتجاهات مختلفة.. فتشكل لغة خاصة ما زالت أبجدياتها غامضة.. كما قالوا.. لقد خلق الله تعالى أرواحنا وجعل القلوب بيديه الكريمتين يقلبها كيفما يشاء فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ). فقال ابن حجر انه يمكن أن يكون من باب تشاكلها على الخير أو الشر فتتآلف تبعا لذلك، ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم. ومضة: قد نعيش مع أناس لسنوات طويلة ولكن لا يجمعنا بهم سوى المكان أو الصلة فقط أو ظروف أخرى فرضتها علينا الحياة.. وقد تجمع الأقدار أرواحنا بآخرين نشعر أنهم رفقاء الروح نبوح لهم بلحظات بكل مكنوناتنا.. ونرفع على أعتابهم رايات استسلامنا بعد طول جموح وعناد.. وتزهر بساتين أيامنا في ربيع وجودهم.. وتعود مراكب ثقتنا التي كانت تائهة وسط الأمواج منذ أول رحلة خذلان خضناها لترسو على موانئهم.. قاطعة عهداً أبدياً بألا تعاود الرحيل.. وكل هذا ليس لأنهم وقعوا لنا عقوداً ولا مواثيق بالأمان، ولا لأنهم هم الوحيدون حولنا، ولا لأنهم أفضل من مد يده إلينا، ولا لأي سبب آخر من الأسباب.. بل العكس قد يكون غيرهم قد عرض أضعاف تلك المواثيق، وطال عليه الأمد ينتظر منا أن نقبل به ليشاركنا مشاعرنا وحياتنا.. ولكن كل ما في الأمر أنها كيمياء الحياة وتلاقي الأرواح وإن بعدت المسافات..