15 سبتمبر 2025
تسجيلأبحث عن جملة مكتنزة المعنى، تكفيني عن هذا الهذر، ربّما سأرضى بجملة طويلة، فما زلت مؤمناً بالتناسب العكسي بين سعة الرؤيا وإيجاز التعبير، وإبصار العين وعجز اليد. ورغم أنّ الحكمة يجب أن تكون تحصيل حاصل لمن قفز فوق جدار الخمسين، فإنّ الفضفضة صارت ولعاً سوريّاً لقوم استبدلوا بالأوطان أمكنة افتراضية لا تكفيهم فيها كلمات موجزة حتى وإن أدركتهم سنّ الحكمة.أبحث عن جملة بطول فتيلة تسبح في حجرة زجاجية بالـ(كاز) وتطلّ برأسها الناريّ في أصل مصباح رقيق وشفاف، جملة تضيء في الليل، وتنام في النهار، جملة تتسوّل زيت الحرائق، وتمنح الدفء والنور، ولا تعدم دخانها ورمادها، جملة تُحضّر لها مصابيح القرّاء، وأياديهم المقرورة، جملة أطول من ليل، تحكّ رأسها المرمّد كل مساء وتوقد بإشراقٍ متجدّد.ليس ثمة وطن للقراءة، القراءة ترحل مع العيون، والعيون ترحل دائماً، ونحن قومٌ أدمنوا النظر إلى الأخبار العاجلة والصفحات الافتراضية. هنا: "الشعب السوري واحد"، وهنا نستطيع (لضم) خيط الصبر في إبرة المرحلة.حين لاتصل كلماتي فإنّي أتهم الفتيل، ولا ألقي اللوم على المصباح، المصابيح تنظّف دائماً، أتذكّر ذلك تماماً وأنا في العاشرة، كانت الصبايا يعمدن إلى إسفنجة على شكل مروحة صغيرة مثبتة بذراع صغيرة، ومعلّقة بعيداً عن أدوات الجلي، ولم يغادر هذا الطقس المسائي ذاكرتي، حين تعدّ النساء عدّة (لمبة الكاز) لتضيء الليالي الطويلة، التي يزيدها دفئاً أحاديث الكبار الذي امتلكوا ناصية الحكمة.أبحث عن جملة مازالت تفلت من يدي وتنفرط إلى كلام كثير، يبقّع جوانب المصباح بمساحات سوداء، ولكنّني أحاول في كلّ يوم أن أصطاد تلك الجملة، وأنا ألضم خيط الصبر بهدوء.أبحث بعناد الصبيّ، وطمأنينة المؤمن، عن وطنٍ صغير من الكلمات، أحشد فيها الجلد والعظم، وأقول إنّي نصبت خيمتي، وقرأت نشيدي، أنا المنتظر منذ سنوات أفول الغيم، وقافلة آتية من ذلك الغامض البعيد، والبشير الذي يلقي على عينيّ القميص.