13 أكتوبر 2025
تسجيلاختفى مولد الهندي برد شاندرا، فجأة من مكانه في الحوش الخلفي غير المطروق كثيرًا، لبيت عز الدين، ومزِّقت أسلاك الكهرباء التي كانت تصله بلافتة النيون، حيث يوجد اسمي وجامعتي، وتلك التخصصات المتعددة التي رصصتها، وأصبح لي بفضلها زبائن لا بأس بهم، يأتون لاستشارتي، ويساعدون بشدة في المنصرف اليومي. كان يومًا كئيبًا بلا شك، ولا توجد فوانيس للإضاءة في العيادة بعد أن ألغينا خدماتها بالكامل منذ مجيئي، إضافة إلى تعودي الشخصي على مروحة طاولة صغيرة، كنتُ قد أضفتها مؤخرًا وينعشني هواؤها أثناء العمل. واضطر عز الدين أن يترك بيته بلا إضاءة، ويحضر فوانيسه كلها، وأسمع بوضوح أحدثه اختفاء صوت المولّد العالي، صوت امرأته يطنطن من الداخل، ويتحدث في هياج عن حمام مظلم، ومطبخ لا يستطيع أحد الدخول إليه لتحضير العشاء، وعيال في المدارس، تعطلت واجباتهم في ذلك اليوم.أخبرته أن يعيد الفوانيس إلى بيته بلا جدال، ويغلق العيادة في الحال، ونذهب معًا لتسجيل بلاغ بالحادثة في مركز الشرطة، لعل الشاويش خضر يبدو أكثر تفهمًا بعد درس الصبي الجائع الذي اعتقله، باعتباره المحتال (إدريس علي)، ويسرع في مد يد العون. وافق عز الدين على مضض، واضطر إلى صرف عشرة مرضى مسجلين على دفتره، كان من بينهم سيد أحمد، البحَّار القديم الذي جاءني في الأيام الأولى لافتتاح العيادة، باحثًا عن شهادة باللياقة الطبية للزواج، لم أمنحها له، وأحلته إلى أحد المختصين، ومريض آخر اسمه شاطر الزين، كان من سكان حي النور القدامى، وهاجر إلى كندا منذ أواخر السبعينيات، وعاد مؤخرًا إلى البلاد لتلقي العزاء في والده.وقد زارني في مرة سابقة برفقة أخته المريضة بالربو الشُعبي، وتحدث كثيرًا، مستخدمًا إنجليزية ذات لكنة زنجية أمريكية، عن رداءة البيئة التي نعيش فيها، وغياب التأمين الصحي للمواطن وتخلفنا الكبير في مجال مكافحة الأمراض، لدرجة أن بعوضة صغيرة بلا قيمة تذكر، تسبب كل هذا الدمار للعنصر البشري، ومرض الجزام انقرض من العالم كله، ولا يزال معششًا لدينا، يحمله المتسولون أمام المساجد وفي الأسواق والأحياء السكنية، وهذا الحي بالذات الذي تعيش فيه أسرته، لا يمكن اعتباره مكان سُكنى في أشد البلاد فقرًا. ولم ينس الأخ شاطر أن يخصني ببطاقة الأعمال الخاصة به، حتى إذا زرت كندا ذات يوم، اتصلت به، وكان مسجلًا عليها، أنه مبرمج كمبيوتر في إحدى المؤسسات، وعازف جيتار محترف في حفلات نهاية الأسبوع، بينما أخبرني عز الدين الذي لم يكن قد سمع بالكمبيوتر في ذلك الوقت، ولا رأى جيتارًا يعزف من قبل، أنه كان تلميذًا فاشلًا في المدارس، وعمل طوال وجوده قبل الهجرة، نجارًا للكراسي والأسرَّة، وغرف النوم الرخيصة، وما زال محله موجودًا في السوق حتى اليوم.