14 سبتمبر 2025

تسجيل

لغة الخطاب بين الواقعِ والمُفْترَض

10 يناير 2017

‎هناك بونٌ شاسعٌ بين أنْ نخاطبَ أنفسَنا ونجادلَ بعضَنا، وأنْ نتوجَّهَ بخطابِنا إلى الناسِ. ففي الأولى، نحن ننشغلُ بالأفكارِ المُجَرَّدةِ، ونُعنَى بالحُجَّةِ الكلاميةِ التي يُرَدُّ عليها بحُجَّةٍ كلاميةٍ دون الوصولِ إلى نتيجةٍ سوى تكرارِ نفسِ الأفكارِ والرؤى. أما في الثانيةِ، فنحنُ نتعاملُ مع الواقعِ كما هو وليسَ كما نفترضُهُ، فنكونُ أكثرَ حرصاً في لغةِ خطابِنا لأننا نبحثُ عن التأثيرِ في الناسِ إيجاباً وليسَ بهَدَفِ مجادلتِهِم بما نراه صالحاً لهم.‎فالمثقفُ، والمُبدعُ، والداعيةُ، والمُختصُّ في مجالٍ علميٍّ أو معرفيٍّ، وكلُّ مواطنٍ ومواطنةٍ يستخدمانِ وسائلَ الاتصالاتِ، مسؤولونَ عَمَّا يُقَدِّمونَهُ للآخرينَ.‎من مهماتِ الكُتَّابِ الصحفيينَ والروائيينَ والقصصيينَ، الانطلاقُ من فكرةِ صلاحِ المجتمعِ والإنسانِ، وقابليتِهِما للتغييرِ الإيجابيِّ في الرؤى والفِكرِ والسلوكِ. فالمجتمعُ صالحٌ لأنَّ الصلاحَ يرتبطُ بوجودِ الصالحينَ فيه، دينياً ووطنياً وإنسانياً، وهم كُثْرُ. والإنسانُ مفطورٌ على الخيرِ، قابلٌ للاستجابةِ الخَيِّرةِ عندما نعرفُ كيفَ نُخاطبُهُ. فلا ينبغي أنْ يكونَ تركيزُنا على سلبيةٍ سلوكيةٍ هنا، وأخلاقيةٍ هناك، فنتخذهما ذريعةً لحديثٍ طويلٍ نجلدُ فيه الذاتَ فنُعَطِّلُ الحراكَ الفكريَّ لدى شريحةٍ من الذينَ يتأثَّرون بما نكتبُ.‎في بلادِنا، أمورٌ رائعةٌ تتحقق يوماً فآخر، من تغييراتٍ هائلةٍ في البُنى الاجتماعيةِ وأساليبِ التفكيرِ والسلوكِ، نتيجةً لانتشارِ التعليمِ والتَّوَجُّهِ نحو الاختصاصِ في كلِّ المجالاتِ، ولوجودِ خطط تهدفُ لتحقيقِ رؤيتنا الوطنية للمستقبلِ، وهي خطط تقوم على استثمارِ كفاءاتِ ومُؤهِّلاتِ الإنسانِ المواطنِ وتنميتِها وتطويرِها.‎إذا أردْنا أنْ يكونَ دورُنا فاعلاً في النهضةِ الشاملةِ فعلينا البدءُ بالحديثِ عن مجتمعِنا بمقاييسِهِ وليس بالمقاييس التي كانت سائدةً في ستينياتِ وسبعينياتِ وثمانينياتِ القرنِ الماضي، حيثُ نُركِّزُ على الصِّدامِ بينَ الموروثِ الاجتماعيِّ والحداثةِ بصورةٍ لا تُعَبِّرُ عن الواقعِ المُعاشِ وما يشهدُه من تبدلاتٍ تشملُ كلَّ شيءٍ.آخر الكلام:‎المجتمعاتُ كيانٌ حيٌّ فيه عشراتُ آلافِ الأفكارِ التي يتعاملُ من خلالِها الناس مع الحياةِ، وينبغي الحرصُ على هذا التنوُّعِ كنتيجةٍ لازمةٍ للتجدُّدِ والتطوُّرِ، لا أنْ نتعاملَ معه وكأنه ظاهرةٌ سلبيةٌ. فعلينا التأكيدُ ما استطعنا على القبولِ بالآخرينَ واحترامِهِم حتى لو لم نكن نتفقُ معهم في الأفكارِ، لأنَّ قيامنا بذلك يُعَزِّزُ فرصَ الحوارِ والوصولِ إلى اتِّفاقٍ على الأهدافِ والغاياتِ والسُّبُلِ اللازمةِ لتحقيقها. وهذه من المهامِ الرئيسةِ لأصحابِ الأقلامِ ومنتجي الأعمالِ الفنيةِ والمبدعينَ.