11 سبتمبر 2025

تسجيل

ضعف اللغة من ضعف أهلها

09 نوفمبر 2016

أدقّق أحيانًا بعض الأبحاث والكتب، وأجد أن الكتاب ما عادوا يثقون بقوة الكلمات، فيدسون في ثناياها حروفًا تربط بينها، ككتابة أحدهم "افتقادي لصديقي" فكلمة افتقادي ليست في حاجة أن تتعكّز على اللام كي تصل الصديق. ولو أزحنا عصا اللام فستركض برشاقة، وتصل غايتها. كانت لغتنا قوية؛ الأفعال تترك وراءها المفعولات مثنى وثلاث، والأسماء المشتقة تنصب مفاعيل والمصادر كذلك، حتى حروف الجرّ (الضئيلة) تقوم مقام الأفعال، فنعرب "إليك وعليك" اسم فعل أمر. كانت السماء تتشبه بالأفعال لقوّتها، كقوّة الأمّة التي امتدّ نفوذها ودينها وبيانها ما بين المشرق والمغرب. خرجت شعلة اللغة من موقدها (جزيرة العرب) وتناثرت مفرداتها في الأمصار الجديدة، بكتابِ الله، وقانون جديد (النحو) بعدما ابتعدت عن مصادرها الأولى، ومع بعد المسافة وتراخي الزمان، خبت النار القديمة، وأنست إلى سدنةٍ جدد، لا يقولون فيعربون، بل يحاكون ويقعّدون، وذبلت بعد حين القصيدة وسقمت الكتابة.وأعطى النحاة حروف اللغة صلاحياتٍ واسعة بالبحث عن فضائلها وتعدّد معانيها، فتوسطت بين المسند والمسند إليه، وكثر الكلام الفُضلة الذي يضعّف المعنى، ويصعّبه على القارئ، بحجة استئناس السهل أبعدت التعابير القوية، ففقدت اللغة جموحها، وخاصة بعد مجيء الجريدة التي مررّت الأساليب الرديئة ذات الأخطاء الفجّة لتقريب المسافة بين القارئ البسيط والمعنى.كثير من الأفعال المتعدية بنفسها صارت في حاجة إلى حروف تتعدى بها إلى المفعول به كالباء التي ترد بكثرة بعد (رأى واعتقد) مثلاً في كلامنا هذه الأيام.وعلى الرغم من كثير من اللفتات الأسلوبية في الخطاب العربي الحديث، إلا أن هيمنة مثل هذه الأساليب مؤشر واضح على أن ضعف لغتنا من ضعفنا، وربما الصحيح هو العكس.