13 سبتمبر 2025
تسجيلليس المخاطَب بـ (هيت) اليوم يوسف ولا المخاطِبة امرأة العزيز! بل هو حوار بين الذات والنفس، تتمحور فيها النفس حول (هيت) وتتخذ من الأساليب المتعددة والوسائل المتنوعة ما يرغم الذات على الرضوخ لها، فهذه معركتها.بالطبع هو حوار غير متكافئ؛ إذ مهما بلغت درجات ارتقاء الذات بالدين فلن يصل صاحبها إلى كمال يوسف، لكنه مأمور أن يقاومها كلما (همت به) بأن يقابل قولها (هيت) بأن يعيش في ظلال (معاذ الله)! ولا يكون هذا إلا بالعلم؛ سل ابن الجوزي رحمه الله ينبئك الخبر، فقد غاص معها فهما وعلما حتى استطاع أن يروضها، وان ينقلها من الفراق إلى الوفاق.في حوار بينهما عقب مرض أصابه، مع دعاء لم يثمر إجابة عاجلة، انزعجت سائلة إياه: لازمت الدعاء، وما فارقك الرجاء، ولم يأتك؟ أجابها الخبير بخمس جمل فألجمها وروضها:1 — ويلك! تأملي أمرك! أمملوكة أنت أم حرة مالكة؟! أمدبَرة أنت أم مدبِرة؟! أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء واختبار؛ فإذا طلبت أغراضك، ولم تصبري على ما ينافي مرادك، فأين الابتلاء؟!2 — وهل الابتلاء إلا الإعراض، وعكس المقاصد؟ فافهمي معنى التكليف.3 — علام تقتضين الحق بأغراضك، ولا تقتضين نفسك بالواجب له؟ أليس هذا عين الجهل؛ فالأصل أن يكون الأمر بالعكس؛ لأنك مملوكة، والمملوك العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك، ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى.4 — قد استبطأت الإجابة، وأنت سددت طرقها بالمعاصي، فلو قد فتحت الطريق، أسرعت. كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى! أو ما سمعت قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ)5 — يا نفس أليس مطلوبك ينقص من أجرك، ويحط من مرتبتك، فمنع الحق لك ما هذا سبيله (نقصان الأجر وحط المرتبة) عطاء منه لك، ولو أنك طلبت ما يصلح آخرتك، كان أولى لك. فأولى لك أن تفهمي ما قد شرحت. هنا تكلمت النفس فقال: لقد سرحت في رياض ما شرحت، فهمت (من الهيام) إذ فهمت.