18 سبتمبر 2025
تسجيلأغرّك منّي.. أن حُبكِ قاتلي وأنكِ مهما تأمُري القلب يفعلِ على مرِ العصور، كان للمُلهِمَات الحضور اللافت في حياةِ الشعراء، وأكاد أجزم أن هؤلاءِ المُلهِمَات، هن المحرك الوحيد الذي كان ولا يزال يدفع أهل هذا الفن إلى الإبداع، فهن المحرك الحقيقي للابداع في هذا الميدان، هن الفاتنات المفتونات، وهن الساحرات المسحورات، وهن الحبيبات المحبوبات. فالكثير من المُلهِمَات يعشن في خيال الشاعر أو في ذاكرة الشاعر، وكذلك في اتجاهاته وقضاياه التي لا تنتهي، فنجد الملهمة في قرع طبول الحرب، ونجد الملهمة في صباحات الشاعر، ونجدها في سهره، في راحته وساحته، وصفو فكره، فكلما تدفقت حبيبته في خياله، تدفق ذلك الشاعر أكثر في نسج قصائده الغزلية، فنجدهن في قصائد الشعراء بلا استثناء، منذ العصر الجاهلي، حتى عصرنا هذا. هذا الامر لا يقتصر على الرجال دون النساء، بل ان هناك سيداتٍ لديهن مُلهِم، يعمل بهن كما يعملنبالرجال، فالبعض منهن شاعرة أو اديبة او حتى لها صولات وجولات في عوالم الفن ولا شك في ذلك. وفي هذا تقول أم الحنَّاء الأندلسية: جاء الكتابُ من الحبيب.. بأنَّهُ سيزورني فاستعبرت أجفاني يا عين صار الدمع عندك عادة تبكين في فرح وفي أحزان فاستقبلي بالبشرِ.. يومَ لقائِهِ ودعي الدموعَ لليلةِ الهجران والملهمة أو الملهم إن صح التعبير، تكون في ذهن أهل الفن، كالسر، انطلاقاً من الشعر والأدب، مروراً بالفن التشكيلي والفن الغنائي، وفن العزف على الآلات الموسيقية وكذلك فن التصوير. وهذا الأمر يحسب على ذكائهن الأنثوي، فمسألة أن تكون الأنثى (ملهمة) لمبدع ما، ليست بالمسألة العادية أبداً. بل إن المسألة تمتد لأعمق من ذلك، تمتد لعالم استئناس الروح بالروح، (فالأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، وهذه نقطة البداية. فكانت القصائد بمثابة تعريف لمدى عمق بعض العلاقات بين كتابها ومن يحبون من النساء، حتى تحولت بعض الاسماء العابرة التي لا تكاد تذكر في أزمنتهم، فقد تحولت إلى نقوش في ذاكرة ما يسمى بـ(سيرة الحب)، فهناك فاطمة ملهمة أمرؤ القيس، وعبلة عشيقة عنترة العبسي، وليلى العامرية، وبثينة حبيبة بن معمر، حتى ان البعض نعته بـ(جميل بثينة)، والأسماء كثر في حياة الشعراء، فالكل يعرف ما تم ذكره من أسماء في السطور السابقة، لكن التاريخ حفظ لنا الكثير من الاسماء غيرها، فهناك ولادة وأبن زيدون، وجنان وأبو نوّاس، وورد بنت الناعمة وديك الجن، وهناك أم البنين زوجة الخليفة ووضاح اليمن، والنوّار ملهمة الفرزدق، وعمر أبن ابي ربيعة وعائش، وعبدة وبشار بن برد، وهو صاحب البيت المشهور: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والاذن تعشق قبل العين أحيانا وهو القائل: نفّسي يا عبدُ عنّي وأعلمي أنني يا عبدُ من لحم ٍ ودم إن في برديَّ جسماً ناحلاً لو توكأتِ عليهِ.. لأنهدم ولو أن بعض الباحثين أصر على (أن اغلب الشعراء، لم يصرحوا بالأسماء الحقيقية لملهماتهم)، بسبب غيرة العرب، وأنها قد تؤدي إلى الحروب، وفي وقتنا الحالي، قد تؤدي إلى مشاكل جسيمة، وأنا أضم صوتي لهم، بأن أغلب الشعراء لا يصرحون بأسماء ملهماتهم، بل أجزم أن اغلب ما ورد من أسماء نسوية في الشعر العربي، بشقيه (الفصيح والنبطي) هي أسماء وهمية لا تمت للواقع بصلة. ولكن قصة (الأميرة دعد)، والتي اعتبرت في ذلك الوقت ملهمة الكثير من الشعراء، والذين شدّوا الرحال إليها، بقصائدهم الغزلية، وكما ذكر التاريخ لنا، أن هناك شاعر واحد فقط، استطاع ببراعته، أن يجعلها تُعجب به، لكنه قتل، فكان مجهولا وكانت قصيدته في دعد هي قصيدته (اليتيمة) في الشعر العربي، بل إنها أجمل ما قالته العرب في الغزل، كما ينعتها البعض. فكانت تسمى باليتيمة، لأسباب اختلف الباحثون فيها، ومن تلك الأسباب بأن صاحبها مجهول، أو لأنها القصيدة الوحيدة لشاعرها، والبعض الآخر رجّح بأن هذه القصيدة متفردة في جمالها ورصانتها، فلا شبيه لها من القصائد، حتى إن البعض أشار إليها بأنها (قصيدة أسطورية). ويرى البعض أن شاعرها هو (دوقلة المنبجي)، فيقول في عرضها: آهـ.. على دعدٍ وما خلقت إلا.. لطول ِ تلهفي دعـــدُ بيضاءُ قد لبسَ الأديمُ.. أدِ يم الحُسنِ فهو لجلدها الجلدُ ويزين فوديها إذا حسرت صافي الغدائر فاحم ٌ جعدُ فالوجه مثل الصبح مبيضُّ والشعر مثل الليل مسودُّ ضدّانِ لمّا أستجّمعا حسُنا ً والضدُ يُظهِرُ حُسنهُ الضدُ وبالمناسبة، سأل بعض النساء قيس بن الملوح عن ليلى، فقلن له: ما الذي يعجبك في ليلى؟ فرد: كل شيء رأيته وشاهدته وسمعته منها أعجبني، والله إني ما رأيت منها قط إلا ما كان في عيني حسنا وبقلبي علِقا، ولقد جهدت أن يقبح منها عندي شيء أو يسمج أو يعاب لأسلو عنها، فلم أجد. فقالت له النساء صفها لنا، قال: بيضاءُ، خالصةُ البياضِ كأنها قمرٌ.. توسط جُنحِ ليل ٍ مبردِ موسومةٌ بالحسنِ ذات حواسدٍ إن الجـمـالَ مـظـنـةٌ.. للحسدِ وترى مَـدَامِعـها تـرقرقُ مقلة سوداء ترغبُ عن سوادِ الاثمدِ خودٌ إذا كثُر الكلامُ.. تعوذت بِحِمَى الحياءِ وإن تكلّم تَقصِدِ وفي الختام، للأنثى في الغزل، كلام تسيل منه الغيوم وتغني على أطرافه العصافير، تقول حفصة بنت الحاج: أغار عليك من عيني ومنِّي ومنكَ ومن زمانك والمكانِ! ولو أني خبأتُكَ في عيوني إلى يوم القيامة.. ما كفاني