18 سبتمبر 2025
تسجيليمكن تفهم تقدير وتصميم السلطات العمانية على جذب اهتمام مستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي وآخرين للاستثمار في قطاعات مختلفة في الاقتصاد العماني بما في ذلك الصناعة والضيافة. ينجذب المستثمرون لضخ أموال في سوق الأوراق المالية والاستثمارات المباشرة مثل الصناعات والمباني مستفيدين من استمرار سياسات تحسين بيئة العمل وعرض مشاريع تنموية جديدة بصورة منتظمة وطبيعة القوانين المحافظة المعمول بها في السلطنة مثل الشفافية. على سبيل المثال، يلاحظ ازدياد شهرة سوق مسقط للأوراق المالية على الرغم من الأداء غير المقنع في عام 2014. فقد انخفض المؤشر بواقع 7 بالمائة لأسباب لها علاقة بتخوف المستثمرين من التداعيات المحتملة لهبوط أسعار النفط على اقتصاد السلطنة.. وكانت أسعار النفط قد هوت لنحو النصف مع بداية النصف الثاني للعام الماضي، ولم تعود الأسعار لسابق عهدها منذ ذلك الوقت لأسباب يضيق المقام بذكرها في هذا المقال. وكان أداء بورصة مسقط إيجابياً مع انطلاق 2014 على خلفية تعزيز النفقات والاستثمارات الحكومية لغرض تحقيق جملة أهداف اقتصادية مثل تحقيق أفضل مستويات النمو وإيجاد فرص عمل مناسبة للمواطنين. لكن تغير الأمر بشكل سلبي مع انخفاض أسعار النفط نظرا للأهمية النسبية للقطاع النفطي في الشأن الاقتصادي المحلي كما هو الحال مع بقية دول مجلس التعاون. يساهم القطاع النفطي بما في ذلك الغاز بنحو ثلثي إيرادات الخزانة العامة والتي بدورها تمول المصاريف الحكومية. اللافت في هذا الصدد تعزيز الاهتمام الإقليمي والدولي للاستثمار في سوق مسقط للأوراق المالية في ظل منافسة من بورصات أخرى. دليلنا على ذلك عبارة عن بلوغ نسبة تملك غير العمانيين تحديدا 30.4 بالمائة في منتصف 2015 مقارنة مع 29.4 بالمائة للفترة نفسها في 2014. يعكس هذا التطور ثقة المستثمرين الخليجيين والدوليين حول أداء الشركات المدرجة بشكل خاص والاقتصاد العماني بشكل عام. الأمر الآخر الذي يميز بورصة مسقط يعود للشفافية وسرعة نشر المعلومات انعكاساً لطبيعة القوانين المعمول بها والتي تندرج في إطار السياسات المحافظة والتي تشتهر بها السلطنة. تتبنى عمان مبدأ السياسات المحافظة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها. فضلاً عن البورصة، هناك حديث عن اهتمام بعض مستثمري دول مجلس التعاون الخليجي والمقيمين وغيرهم بمشروع أوماجين وهو اسم مشتق من عبارة تخيل عمان باللغة الإنجليزية. تشمل مزايا المشروع القرب من مطار مسقط الدولي ما يعني وقوعه في منطقة حيوية تخدم المستثمرين غير المحليين من خلال سهولة التنقل من وإلى المطار. يتوقع أن تبلغ قيمة استثمارات مشروع أوماجين في حدود 2.3 مليار دولار ما يعد رقما ضخما قياسا بالواقع الاقتصادي للسلطنة. يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لعمان قرابة 80 مليار دولار. كما تبلغ قيمة النفقات المرصودة للسنة المالية 2015 نحو 36.6 مليار دولار. فمن شأن ضخ مبلغ بهذا القدر تعزيز حجم الناتج المحلي الإجمالي لعمان من خلال عملية تدوير الأموال بين القطاعات والأفراد داخل الاقتصاد المحلي. من بين أمور أخرى، يتضمن مشروع أوماجين تشييد سبعة مبان على شكل لؤلؤة إضافة إلى مجمع للتسوق وفنادق ومنطقة بحرية ومكاتب وأكثر من ألفي وحدة سكنية. تتميز السلطنة بطبيعتها الخلابة والهواء النقي وفوق كل ذلك طيبة شعبها وكلها أمور مساعدة لاستقطاب مستثمرين من داخل وخارج المنظومة الخليجية. اللافت حدوث هذه الأمور الإيجابية في خضم تطور غير مشهور يتعلق بالعقارات في عمان فيما يخص المستثمرين الخليجيين. فقبل عدة شهور فقط، أعلنت السلطات العمانية عن نيتها تفعيل قانون موجود أصلا يلزم بتطوير الأرض بعد أربع سنوات من تاريخ تسجيلها باسم المالك. ويمنح القانون السلطات المعنية حق التصرف بالأرض مع تعويض المالك بنفس ثمنها وقت شرائها أو ثمنها حين بيعها أيهما أقل مع إمكانية التظلم لدى الجهات المختصة. وكانت عمان قد أوقفت العمل بهذا القانون في عام 2004 لكن ظهر الموضوع للسطح مرة أخرى في الآونة الأخيرة لأسباب يمكن تفهمها بطريقة أو أخرى بما في ذلك تعزيز مصالح المواطنين. طبعا، من حق كل دولة تطبيق القوانين الوطنية الخاصة بها لكن دونما التغاضي عن طبيعة التنافسية الاقتصادية، كل ذلك في الوقت الذي أصبح فيه العالم قرية، حيث أمام المستثمر الكثير من الخيارات للاستثمار في نحو 200 دولة. التطور المشار إليه لا يعكس بالضرورة المزاج العام للاستثمار في السلطنة. فمنذ وقت ليس ببعيد، قررت السلطات تبسيط القواعد المتعلقة بالملكية الأجنبية، مما يتيح مشاركة رأس المال الأجنبي في مشاريع مشتركة بنسبة 70 بالمائة بدلا من 49 بالمائة. كما يتم منح الملكية الأجنبية الكاملة لبعض المشاريع الحيوية في إطار جذب الاستثمارات للمساعدة في تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة. ويكمن هدف اقتصادي أساسي لعمان في هذا الفترة لخلق فرص تتناسب وتطلعات المواطنين الباحثين عن فرص العمل من حيث النوعية والراتب وفرص التدرج الوظيفي. يعد هذا الأمر مهما مع الأخذ بعين الاعتبار بأن مستوى البطالة في عمان يعد الأسوأ في دول مجلس التعاون الخليجي. فحسب إحصاءات منشورة من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي في إطار تقرير للبطالة في الدول العربية، يبلغ متوسط البطالة في سلطنة عمان 8.1 بالمائة أي أعلى من البحرين والسعودية. في المقابل، لا توجد بطالة تذكر في أوساط المواطنين في ثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي أي قطر والإمارات والكويت. والأدهى من ذلك، يرتفع معدل البطالة إلى أكثر من 20 بالمائة بين الشباب من المواطنين في السلطنة، وهو أمر مدعاة للقلق ويتطلب معالجة. في المحصلة، تواجه السلطات العمانية التحديات والفرص الاقتصادية بأفكار جديدة لكن مع الاحتفاظ بالمنهج المحافظ المتبع في البلاد كخيار إستراتيجي.