13 سبتمبر 2025

تسجيل

نهار متكرر

09 أغسطس 2011

=تغريني النافذة (المستربعة) بالتقاط حبة الشمس المشتعلة في كبد النهار، ألبس نظارتي السوداء وأتمسك بمقود السيارة كي لا أفقد ترتيب الأشياء في عقلي، يخترقني صوت المذيع عبر المذياع الذي يشبه صوت الزميل محمد المري وتتساقط على ذاكرتي ملامحه الأنيقة وأحداث لقائي الأخير به والمرزوقي إذاعة صوت الخليج، كم أحب محمد، جميل هذا الرجل. أعود لأفكر في طريقي، ترتبك قدمي المتهورة أمام سطوة الرادار، أخفف سرعتي وأنا أقاوم شعوراً ينهش أطرافي لطي الإسفلت في حقيبتي، ألمح وجه أحد الغاضبين يتجاوزني وهو يرمقني بنظرات نارية حقودة، أعبس وأنا أرفع صوتي (طير ياعمي)، أصل إلى ذلك المبنى الضخم الملون، انحشر في ضيق شارعه بين سيارات مصطفة بأعجوبة على جوانبه،أسير ببطء، أفتش عن خندق صغير أركن فيه سيارتي الرمادية، ترمقني وجوه عابرة ترغب في إحراق سوادي واكتشافي، أتجاهلها، يشير لي أحدهم ببطولة مسلسل خليجي يرتدي الأبيض إلى مكانه، أقف أرقب عجلات سيارته تخرج من مأزقها، تتحرك ببطء، يرفع عينيه في مرآته لأشكره على كرمه، اكتفي بإشارة ضوئية متوترة، أدس سيارتي في مساحته الضيقة، بلا إدراك ألقي نظرات أخيرة على هندامي، أحمل حقيبتي وأوراقي، أمد قدمي بتردد يتلوى ذكريات قصصه القديمة، هل أخرج؟ وأطعن التاريخ بحكاية مكررة مستهلكة الأحداث والأنماط بخيبات صفراء التقيؤ.. كان علي ذلك، علي أن لا أفقد أملي، قد تكون هذه فرصتي، لأغير كل شيء، أي شيء، الخلاص من القديم بات هواياتي الأخيرة، أحياناً أنجح وأحياناً ألعق أصابع الفشل متحدية تلبك الأيام في معدتي، والآن أرغب بالمزيد والمزيد،أريد اقتلاع الجدران التي تلبسني جمودها وتبتسم لي لحظة سقوطها علي، أريد إطلاق روحي المعوقة بلغم سخيف سماه (هادي) ذات مساء ممسوس بالحمى والسحر ((نشاز))، في رواية مكسورة الأضلاع والحجج، ربح (هادي) أذنيه وخسر المشهد الأخير لفصول لم تكتب. أغرس كعبي في لحم الأرض، يلفحني الهواء الساخن ويتخلل أجزائي المتخثرة بدم أزرق، أقاوم الاغتسال برحيق الشمس، بشجاعة أترك لأقدامي التحكم، أبواب كثيرة، ممرات ضيقة لا تشبه ضخامة المبنى، وجوه ذكورية حولي، أقف،أتجاهل نهشها في ظهري الرطب، ارتاح، إناث مثلي، يقفن في آخر الممر، أفكر.. هل يشعرن مثلي.. هل يربكهن الخجل والخوف؟!! أقف أمام السكرتيرة المشغولة بهاتفها الأحمر العملاق الذي يشبه لون شفتيها الصغيرتين جداً، تمر ثوان وثوان لا تشعر بي، اتحمحم لأوقظ إحمرار جوها،ترفع عينيها، وتتأملني لثانية تندلع شرارة الغيرة الأنثوية بيننا فجأة، وكأننا لبوءتان نتصارع على أسد ربما كرسي، شعرت أنها تكرهني، وزاد شعوري عندما بدأت تكبس الكلمات على شفتيها وتحشو فمها بالقطن الصناعي.. صباح الخير.. لدي موعد مع السيد فلان مدير الإدارة.. صباح النور.. أنتِ أمينة نعم.. هو ينتظرك ابتسمت متمتمة: بداية جيدة غابت لدقائق ثم عادت تُرضع ابتسامتها لبناً صناعياً منتهي الصلاحية .. تفضلي.. أسير خلفها.. أتبع خطواتها.. أسمح لها أن تقود كبريائي.. التقط آخر خطواتي من قفاها الممتلئ وأدخل.. مكتب عادي.. ديكورات تقليدية تناسب الكرسي الذي يجلس عليه الاسم بانتفاخ.. يتحدث بالهاتف ويده تعبث بأشياء مملة لا أذكرها، يستقر، يشير لي لأجلس وهو يتفحصني خلف نظارته النحيلة.. أجلس، أفكر بعينيه، كبيرتان بحجم حبة الجوز، ووجهه أبيض محمر، اضحك في سري، بدا لي لطيفاً، حنوناً.. إذن أنتِ فلانة قالها بابتسامة لا أعلق، اكتفي بتحريك عينيي النافرتين من برقعي الملتصق بوجهي المملح.. هاتِ ما عندكِ.. جزء من النص مفقود وضايع في اختينها… أتوقع أن أثرثر كثيراً، ولكني اختصر القصة كلها بشرح مجعد، مرفق بملفي الأبي، يقلبه بين يديه، متلذذاً باكتشاف خصوصياتي وانتزاع أسراري من سيرتي الذاتية.. يتكلم.. يبلع الهواء بين جملة وأخرى، يطلق أمنياته في تقديم شيء لي في الهواء، يحاول بغباء ذكوري دس أنفه في جيوب حياتي، أراوغ، أسجل أهدافي، انتهي، أسدل أشرعتي المخرومة أمامه، وأنهض، أحمل حقيبتي بتواضع مسلوخ، وأودع أسراري الورقية على طاولته، أمضي مستندة على كارت صغير السيد فلان بن فلان.. والنعم والسبع تنعام، أخرج، يسقط الكارت من يدي بفعل فاعل، أكمل طريقي، وأضحك، نهاية سينمائية معروفة، أتصل بصديقتي (ريم) أرفع صوتي لها (راسي يعورني)، تخبرني أن كوب الشاي الأخضر عالق على طاولتها، ينتظرني.. انطلق لريم..