15 سبتمبر 2025
تسجيلعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"، رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم، وقال الترمذي حسن صحيح.- هذا الحديث خرجه هؤلاء كلهم من رواية عبد الله بن هبيرة سمع أبا حاتم الحساني سمع عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه) يحدثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أبو تميم وعبد الله بن هبيرة خرّج لهما مسلم ووثقهما غير واحد، وأبو تميم ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه. قال أبو حاتم الرازي: وهذا الحديث أصل في التوكل وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، قال الله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقد قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم – هذه الآية على أبي ذر وقال له: "لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم". يعني لو حققوا التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم. قال بعض السلف: فحسبك من التوسل إليه أن يعلم من قلبك حسن توكلك عليه، فكم من عبد من عباده قد فوض إليه أمره وكفاه منه ما أهمه، ثم قرأ: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"، وحقيقة التوكل هي صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، ووكلت الأمور كلها إليه وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه. قال سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. وقال وهب بن منبه: الغاية القصوى التوكل. قال الحسن: إن توكُّل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته. وفي حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله". وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك"، وأنه كان يقول: "اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته".واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم}، وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}، وقال: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}. وقال سهل التستري: من طعن في الحركة، يعني في السعي والكسب، فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكُّل فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والكسب: أحدها الطاعات التي أمر الله عباده بها وجعلها سببا للنجاة من النار ودخول الجنة، فهذا لا بد من فعله مع التوكل على الله فيه والاستعانة به عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فمن قصَّرَ في شيء مما وجب عليه من ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعا وقدرا.