31 أكتوبر 2025

تسجيل

الحقيقة تحتاج لأكثر من ذلك

09 يوليو 2012

لا تكاد تنتهي سلسلة الأحداث التي تشغل فكر مجتمعاتنا العربية في الفترة الأخيرة حتى لنرتطم بسلسلة جديدة تلتهم الفكر وتحرضه على ترك كل المهام جانباً ليشغل نفسه بها، حتى كبر الوضع وبدرجة فاحشة، وسمح لها هذا (التوجه) بالتوجه بعيداً عن جملة المهام التي يتوجب علينا التفرغ لها، والتفكير بها بحكم أنها الأكثر أهمية، وذلك بحسب ما يفرضه سلم الأولويات، ولكن وكما هو معروف فـ (المفروض هو المرفوض)، والدليل في وضعنا هذا هو أننا قد صرنا نبارك بعضنا البعض بولادة كل جديد يطل على الساحة بعد لحظات معدودة من ولادة (شقيقه) الذي لم نستوعب بعد فكرة وجوده بيننا، فصارت كلمة (عادي) هي الأكثر رواجاً؛ لأن كل جديد يظهر على الساحة لا يفوز بحقه من القبول أو الرفض، ولكن ومتى تحقق له ذلك، فإنه يكون على عجالة لا تسمح للحكم بأن يكون في محله، ولفرحتنا بالتقدم الذي نحرزه في حياتنا علاقة واضحة، فسعينا لتحقيق المزيد يجعلنا لا نلقي بالاً لكل ما يحدث حتى وإن تسبب لنا بكثير من الدمار الذي لا يظهر بشكله الحقيقي من أمامنا؛ لأنه وبكل بساطة سيصبح من خلفنا، والسعي خلف ما نريد تحقيقه يدفعنا إلى التركيز على كل ما هو من أمامنا، وهو ما يجدر بأن يكون، ولكن شريطة أن نهتم بمخرجات ما سبق وأن قمنا بفعله من قبل، فنؤكد على ما نريده منه؛ لنأخذ به، بعد أن نطوره، ونُحسن من ذاك الذي تغلبه العيوب والأخطاء، ونرفض ما يستحق الرفض والنبذ، خاصة ان تعذر علينا تحسينه؛ لتوظيفه في المكان المناسب. إن السرعة التي بدأنا نتبعها في الفترة الأخيرة لم تقدم لنا الكثير من الفرص التي يمكن بأن تضيف لنا، وتسمح لنا بأن نُعقب عليها؛ لنفعل كل ما يجدر بنا فعله، وهو كل سبق وأن ذكرته لكم، ولكنه ما لا يعني أيضاً بأننا لن نتمكن من تجميد لحظاتنا للحظات سنخصصها؛ لنعقب فيها على كل ما حدث، كذاك الذي يجسد شر من يحرص على نشر الفتنة وتأكيدها بين الناس دون التبين من الحقيقة، والسعي نحو الكشف عنها وعرضها كاملة دون التركيز على ما يخدم مصالحه الشخصية، ويبرز لنا الأفكار السطحية والمُعيبة بل والمُشينة، التي لا ولن تخدم أي أحد سواه. منذ أيام تناقلت وسائل التواصل الحديث مقطعاً من برنامج (الحقيقة) لمقدمه وائل الإبراشي، تناول فيه حفلاً يقدم أول حالة زواج (ملك اليمين)، ويكفي ما سيُدخله العنوان من صدمة على رأس كل من سيطلع عليه؛ لأن ما قد عقبه في ذاك المقطع يجبر العقل على التجرد من عقله، والحديث عن المقطع (المُقدم)، والذي يظهر وكأن هناك من حرص على ظهوره ناقصاً، وتعمد نشره وتقديمه بالجزء الذي يسقط منه تعقيب أهل الاختصاص والعلم على الموضوع، وهو الجزء الخاص بما جاء على لسان الدكتور عبدالله النجار أستاذ الفقه المقارن وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة وهو ما وصفه بـ (العبث)، الذي ينطبق تماماً على ذاك التقرير (الناقص) الذي تناقلته الوسائل بسرعة البرق، وينطبق كذلك على من حرص على نشر المقطع مقطوعاً من الحقيقة التي ينادي بها العقل قبل كل شيء. إن ما رأيته حين تناقل كثر المقطع دون التعرف على الجزء الذي يخص رأي أهل العلم والاختصاص يجبرنا على التفكير ملياً بكل ما نقوم به، والتأكد من كل ما نسعى إلى عرضه وتقديمه للآخرين؛ فالحقيقة لا تكون كذلك إن خرجت ناقصة ومشوهة، فهي أساسية وكقاعدة أساسية نحتاجها؛ كي تقوم عليها الحياة، إذ لا يمكن بأن نبني على شيء لا أساس له من الصحة، فنحن بحاجة لأساس حقيقي يقوم عليه كل ما هو حقيقي، والهدف من هذا الحديث كله هو توبيخ كل من يعبث بالحقائق، ويهوى لعبة (نشرها) ولكن كما يحلو له؛ كي يتأكد في المرات القادمة، ويتبين ويفكر في كل أمر يود نشره وتبليغه، دون أن يندفع ويتهور؛ ليقدم للآخرين ما لا يمكن بأن يقدم لهم أو يضيف عليهم جديداً ترقى به حياتهم. وأخيراً فهي دعوة صادقة بأن نفكر ملياً بكل ما نقدمه ونسعى إلى تقديمه؛ كي ننعم بحصيلة طيبة نفرح بها في الدنيا، ونؤجر عليها في الآخرة إن شاء الله.