11 سبتمبر 2025

تسجيل

القيادة واليقين: لماذا تحتاج الأمة لقيادات جديدة عندما تواجه الأزمات ؟!

09 يونيو 2024

الأزمات يمكن أن تفتح مجالات جديدة أمام الأمم لتجدد نفسها، وتنهض وتنطلق لتبني المستقبل، ومن التاريخ يمكن أن نستمد الكثير من الأدلة علي أن الأمة يمكن أن تحول المحنة إلى بداية مرحلة جديدة من الكفاح لتحقيق أهداف عظيمة. كما أن الأزمة يمكن أن تكون فرصة لاختيار قيادات جديدة تعبر عن حلم عظيم، وتقنع الأمة بأنها تستطيع أن تحققه، وأنها يمكن أن تبتكر الكثير من الأفكار الجديدة التي تشكل مفاجأة لا يتوقعها الأعداء. لكن من أهم سمات القيادات التي يمكن أن تغير الواقع ؛ أنها تمتلك اليقين الذي يملأ القلب قوة واصرارا وثباتا وعزيمة وقدرة على رؤية الجوانب المشرقة في الأحداث.. فالمحلل السياسي يمكن أن يصف لك الواقع، وموازين القوة، ويتوقع أن الذي يحقق النصر هو الذي يمتلك القوة الصلبة ويستخدمها في القتل والتدمير، لكن القائد يمكن أن يقدم رؤية جديدة تقوم على أن الايمان واليقين بنصر الله أهم عوامل تحقيق النصر. هكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته كيف تواجه الأزمات بيقينها في الله، وكيف تأخذ بالأسباب عبادة لله، فتبذل كل جهدها لاعداد ما تستطيع من قوة مادية ؛ ثم تؤمن وتدرك وتثق بأن النصر بيد الله وحده، فالقوة المادية ضرورية ومهمة لكنها مجرد وسيلة يستخدمها المقاتلون لتحقيق هدف عظيم. عندما تشققت أيدي المؤمنين وهم يحفرون خندقا حول المدينة ؛ ليمنعوا الأحزاب من الوصول إليها، بشر رسول الله أمته بانتصارات كبرى على الفرس والروم، وفتوحات عظيمة.. وتلقي المؤمنون البشرى بالتصديق، فكل ما يقوله الرسول حق، وكل ما وعد به سيتحقق مهما طال الزمن، فهذا وعد الله. وهذا ما يميز المؤمنين الذين تنطلق بصيرتهم لرؤية حكمة الله في الأحداث، فهي اعداد للأمة، واختبار يجب أن تنجح فيه، ومرحلة ضرورية لاكتشاف الحقائق، واختيار القيادات. والمؤمنون الذين استقبلوا وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهم يحفرون الخندق بالتصديق واليقين والأمل ؛ أصبحوا قادة حققوا انتصارات، وفتحوا البلاد وقلوب العباد، وأضاءوا الدنيا بنور المعرفة الاسلامية، وبنوا أعظم الحضارات التي عرفتها الانسانية. وكان يقينهم في وعد الله لهم بالنصر أهم مصادر قوتهم، حيث ملأ قلوبهم اصرارا وصمودا وعزة ومنعة، فلم تتمكن جيوش الأعداء من الثبات أمامهم ؛ لأنهم يواجهون بقوتهم المادية الصلبة رجالا يتميزون بشجاعة العقل والقلب والضمير، ويثقون في نصر الله. والأمة عندما تواجه الخطوب وتشتد عليها المحن تحتاج قائدا يقدم رؤية، ويثق في قدرته على تحقيقها، ويقرأ الواقع بعمق لكنه لا يستسلم له، ويعرف قوة عدوه ولا يستهين بها، لكنه يدرك حدود القوة المادية الصلبة، وأن النصر يرتبط باليقين، فالمهزوم نفسيا لا يمكن أن يحقق نصرا أو انجازا. لذلك طور الغرب أساليب الحرب النفسية ليدفع الشعوب إلى الشعور بالعجز عن مواجهة قوته المادية، فوسائل الاعلام تحدثك عن التقدم التكنولوجي، وأساليب التجسس، ووسائل الإبادة والتدمير، فيملأ الرعب قلوب عبيد الواقع، فيستسلمون ويخضعون وينهزمون، ويبررون عجزهم بالعقلانية والواقعية والمنطق والحسابات الدقيقة. مراجعة سير معظم القيادات خلال القرن العشرين ؛ توضح أنهم انهزموا قبل أن تبدأ الحرب، وأعطوا للعدو فوق ما يتمناه ويحلم به، ولا يستطيع أن يحققه بقوته المادية التي يتباهى ويتفاخر بها. لذلك فإن الواقعية لا تصنع قيادات تحقق امجادا وانتصارات، والأمة تحتاج إلى قيادات تعد ما تستطيع من قوة، ولكنها تملأ القلوب يقينا في نصر الله، وفي قدرة الأمة على تحقيق أهداف عظيمة. إن التاريخ يوضح لنا أن اليائسين لا يصنعون المستقبل، ولا يحققون المجد، ومن ينظر إلى الواقع في عالمنا يصيبه الإحباط والاكتئاب والخوف والعجز والوهن، لكن القائد الذي يملأ قلبه يقينا بنصر الله ؛ يستطيع أن يقدم رؤية جديدة يستثمر فيها مصادر قوة أمته، ويواجه العدو بصبر وايمان وثبات. القائد الذي يملأ اليقين قلبه وعقله يستطيع أن يغير الواقع، ويرفض الخضوع، ويعبر عن حق أمته في تحرير أرضها، ويدافع عن الحق، ووعد الله بالنصر سوف يتحقق رغم أنف المتخاذلين الخائفين من قوة العدو الصلبة.