11 سبتمبر 2025
تسجيليُبدع العرب بإطلاق تسميات وأوصاف من لغتنا العربية الغنية والمعبرة على مآسينا وكوارثنا. أطلقنا على قيام كيان الاحتلال والتطهير العرقي لحوالي مليون فلسطيني عام 1948 «النكبة»- والحقنا ذلك بعد 19 عاما بإطلاق خسارة مصر وسوريا والأردن أراضٍ واسعة في دولهم - «النكسة»- في حرب 5 يونيو- حزيران 1967 واليوم يعيش الفلسطينيون وأهالي غزة والعرب شعوباً وحكومات والنظام العربي مأساة حرب إبادة الصهاينة على غزة للشهر التاسع. في أطول وأكثر حرب دموية عربية-إسرائيلية نكسات ونكبات مستمرة. تُعرّي وتُسقط النظام العربي بأسره في دوامة اللا- فعل والعجز والوهن. * تقاطعت الأسبوع الماضي الذكرى السابعة والخمسون لنكسة العرب في 5 يونيو 1967 شنت إسرائيل حربا خاطفة على الجيش المصري واحتلت سيناء وغزة، واحتلت هضبة الجولان الاستراتيجية الغنية بهزيمة الجيش السوري، وهزمت الجيش الأردني واحتل جيش الاحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية من الأردن. ووسّعت دولة الاحتلال مساحة احتلالها ثلاثة أضعاف في 6 أيام فقط!! ما عطل بوصلة وواقع العالم العربي وقلب موازين القوى وهمش النظام العربي برغم قمة اللاءات الثلاثة «لا صلح- لا تفاوض-لا اعتراف»! لتنهار اللاءات بعد عقود من الموقف الجماعي العربي. كما شهدنا اختراق الاجماع العربي في قمة بيروت العربية عام 2002 واعتماد المبادرة العربية للسلام - «التطبيع العربي الكامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل» من جميع الأراضي العربية المحتلة- والسلام خيار العرب الاستراتيجي. لتخرق دول عربية الإجماع العربي مجدداً بصفقة القرن والاتفاق الإبراهيمي والتطبيع المجاني دون أن يخدم القضية الفلسطينية. بل زادت الفلسطينيين والعرب انقساما وتشتتا والنتيجة مأساة حرب الإبادة الوحشية على غزة في شهرها التاسع! وهذا يُؤكد ما ذهبت إليه في مقالي في «البوصلة» في الشرق الأسبوع الماضي. «النظام العربي والقضية الفلسطينية.. بعد طوفان الأقصى» استخلاصاً لمشاركتي في «منتدى مركز الجزيرة للدراسات» الخامس عشر نهاية مايو الماضي في العاصمة القطرية الدوحة. * بفشل جميع المحاولات العربية من حروب وانقسامات وصراعات واتفاقيات سلام منفردة بدءاً بمصر وبعدها الأردن والسلطة الفلسطينية باتفاقيتي غزة-أريحا أولاً وخداع سراب اتفاقية أوسلو عام 1993-وصولاً لتصاعد موجة التطبيع المجاني بالاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب برعاية ترامب وإدارته وعرابي التطبيع عام 2020- وفشل مفاوضات جادة تنهي سراب حل الدولتين، وتُنهي تفاقم الصراع العربي- الإسرائيلي وفشل إدماج كيان الاحتلال في محيطه العربي الواسع. دحضت حرب غزة الكاشفة والفاضحة والتي أصفها بحرب استعادة الوعي وعودة القضية الفلسطينية لتتصدر المشهد العربي والدولي بعد كثير من التهميش والقفز على مركزيتها ومكانتها، لتسقط سرديات خرافات سرديات ما بناه الاحتلال الصهيوني وأعوانه في الغرب على مدى ثلاثة أرباع قرن بأحقية الاحتلال بالوجود لشعب بلا أرض لأرض بلا شعب. وتهاوي خرافة الجيش الذي لا يُقهر- العاجز بعد 247 يوما عن هزيمة فصائل مقاومة مسلحة بسلاح بسيط بفضل المقاومة والاستبسال. لتهزم وتكبد الجيش الأقوى والمدجج بجميع أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة وخاصة سلاح الطيران المتفوق خسائر غير مسبوقة وتهز كيانه ومكانته وسمعته في عيون شعبه المحتل والجيران والحلفاء الغربيين بقيادة بايدن وإدارته المتورطة وبدأت تنأ بنفسها وتبحث عن مخرج مع اقتراب انتخابات الرئاسة! بعد إدراج جيش الاحتلال في قائمة العار السوداء لقتل الأطفال! * ودفنت المقاومة الفلسطينية للأبد قدرة إسرائيل بأن تكون سنداً لدول عربية نظرت إليها مصدرا للحماية تخفف معضلتها الأمنية وتوفير اسناداً. ليُسقط إمطار إيران كيان الاحتلال في منتصف أبريل بأكثر من 300 صاروخ ومسيّرة تلك النظرية، لثابت عجز إسرائيل التصدي بمفردها وحاجتها لمساندة مضادات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن لمساندتها ضد هجوم إيران غير المسبوق على كيان الاحتلال. كما ثبت عجز جيش الاحتلال خوض والانتصار في حروب استنزاف وطويلة الأمد. وحاجته الماسة للدعم الغربي وخاصة الأمريكي سلاحا وعتاداً وذخيرة ومشاركة بالرصد والتجسس والاستطلاع من مقاتلات وطائرات أمريكية وبريطانية للتعامل مع جماعات وفصائل عسكرية مسلحة بقيادة كتائب القسام والجهاد الإسلامي. التي تجرع الاحتلال الإسرائيلي وجيشها الغازي داخل غزة خسائر يومية بالضباط والجنود والعتاد في حرب استنزاف دامية ومكلفة. تكبد العدو خسائر غير مسبوقة وتهز مكانته وسمعته وتقوض كيانه وأركانه بانقسامات الداخل والتشكيك بقدرات جيشهم الذي كان يوصف بأنه لا يُقهر. ما يُفقد شبعه المشوش الحس بالأمن والأمان وسط تفكك النظام سياسيا!! * يبقى الموقف العربي هشاً، وحتى لو تحقق، يتم تجاهله واختراقه، كما شهدنا بعد قمتي الخرطوم 1967-وبيروت 2002. ناهيك عن محدودية الدور العربي وقمم العرب الطويلة بالشرح والتعليق والقصيرة بالفعل والتنفيذ يعمق المأزق الفلسطيني الذي يشهد انقساما مؤسفا كما شهدنا من رأس السلطة الفلسطينية محمود عباس في تهجمه في القمة العربية في البحرين (من الدول المُطبعة)، على حماس في وقت أحوج ما يكونون فيه لتوحيد الموقف والكلمة لمواجهة آلة البطش والقتل الصهيونية. وأكرر كما علقت سابقاً «للأسف يغيب الموقف العربي الجامع والموحد-» وتتراوح المواقف العربية بين مترددين ومراقبين ومطبعين ووسطاء، مجتمعين يعجزون عن وقف حمامات الدم والإبادة المفتوحة. لذلك واضح أن الموقف العربي يبدو تائهاً ومرتبكاً وغير متسق وحتى متناقضا. كما يبدو النظام العربي اليوم مترهلا وفاقدا للبوصلة وبلا قيادة». وفي الوقت الذي تتحول إسرائيل بنظر حتى داعميها لعبء ثقيل ومؤرق ولدولة مارقة على المسرح الدولي مع اعتراف أربع دول أوروبية هي إسبانيا والنرويج وإيرلندا وسلوفينيا إعلان اعترافهم بالدولة الفلسطينية حتى اليوم-وانضمام مزيد من الدول إلى جنوب أفريقيا بمقاضاة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب إبادة وضد الإنسانية. مطلوب انتفاض إدارة بايدن عن انحيازها وتواطؤها دعما لمقترحه بوقف الحرب. واتخاذ دول عربية ومسلمة لموقف أخلاقي بمقاطعة الكيان-لأنه آن أوان إنهاء انتكاسات ونكبات الفلسطينيين والعرب!