23 سبتمبر 2025
تسجيلاللغة العربية كلها عجائب، ومُتع، وأبواب مخفية وخلفية تُفتح على جميع الجهات. وقد تغزل فيها الكثير من الشعراء مثل مصطفى صادق الرافعي وحافظ إبراهيم الذي نحفظ جميعنا بيته الشهير «أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي». هي لغة جميلة وعظيمة، تتمثل لنا عظمة اللغة العربية مثلاً في استخدام كلمة معينة لأكثر من استعمال وغرض رغم تعدد المفردات فيها! كاستخدامنا لكلمة «الله» وهو لفظ الجلالة، و لكننا لا نقول «الله» فقط عند الدعاء والشكر والاستغفار، بل نتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد منه.. عندما نستمتع بأغنية لأم كلثوم ونندمج معها فنقول «الله يا ست»! وعندما نسمع قصة حزينة، نقول: «يا الله، لا أصدق بأن هذا حدث فعلاً»! وعندما نتفاجأ نقول: «يا الله لم أتوقع هذا !» ونقولها عند الإحباط والخوف والغضب وعندما يجتاحنا الذنب والأمل والسعادة. يمكننا وضعها في أي موضع! مثلها مثل كلمة «طيب» التي نستخدمها في الخليج لأكثر من غاية، و في أكثر من موضع كما يستخدم الإنجليز كلمة OKAY، فنقول عندما نريد أن نحث أحدهم على إكمال كلامه: «طيب، وماذا حدث بعد ذلك!». ونقول لتلبية طلب أحدهم: «طيب» ونقول عندما يسألوننا عن الحال: «طيب الحمد لله ». وغيرها الكثير من المفردات. وفي الوقت نفسه، ولأن اللغة العربية تمتد على الآلاف الكيلومترات متجاوزة الحدود الجغرافية للدول العربية، فإن كلمة واحدة قد يكون لها معنى مختلف باختلاف اللهجة، فمثلاً لدينا «صياح» باللهجة الخليجية تعني بكاء أما باللهجة السورية فتعني صراخ. و»عيط» باللهجة المصرية يعني بكى أما باللهجة السورية تعني ينادي بصوت مرتفع. وكلمة «عيش» باللهجة المصرية تعني خبز أما في الخليج فنقصد بها الرز. اللغة العربية بحر، لا نهاية لها ولا بداية.. تجري حولها أنهار اللهجات العربية.. بها متعة الضياع والوجود.. والكلام والسكوت.. والتفكر والتأمل.. فكل حرف وصوت وكلمة، تفرق عن الأخرى، ولكل مفردة تشكيلتها وشخصيتها المستقلة عن الأخرى. وفي الوقت نفسه، تتشابك المفردات ومعانيها بشكل رائع ، فكلمة العَين مثلاً، تعني عضو الابصار للإنسان، وتعني الجاسوس وكبير القوم أيضاً، وهذا أبسط جماليات هذه اللغة العظيمة! لغة الضاد التي لا يوجد ما يماثلها.