10 سبتمبر 2025
تسجيلليس من المستبعد أن يؤثر القرب والبعد المكاني على المنازل في القلوب، فمن الثابت أن العلاقات الإنسانية تحتاج دوام الخلطة والتفاعل، والألفة باللقاء، وبالتفاعل الجسدي واللفظي، وتنمو وتزدهر بالمشاركة، وتبهت بالجفاء وقلة الصلة، ولا شك أن استمرار التواصل مما قد يُسهم في تقوية العلاقات ويزيد من تماسك الأواصر، وتقارب الأرواح وتآلفها. لذلك من الشائع أن يُقال: (البعيدُ عن العين بعيدٌ عن القلب) ولكن في واقع الأمر لم يكن الحب الحقّ بقرب وبعد المسافات فحسب، فكم من قريبٍ هو أوحش في مقامه من أبعد بعيد، يُضرب بين قلبك وقلبه بأسوارٍ لها أبواب ظاهرها القُرب وباطنها بُعد سحيق ! وكم من بعيدٍ هو في الفؤاد أقرب من حبل الوريد! فليس اكتظاظ الأماكن بالأبدان، ودوام الوصل بالألسن، واعتياد النظر للأعين هو - فحسب - من يخلق الصلات، ويُعظم في القلوب المقامات! وليس قرب المنزلة، ودوام المعشر هو من يُدلل على قوة المودة، وإيثار الاصطفاء! فكم من روحٍ فارقتنا وهي للحيّ منها أقرب! وكم من دانٍ بمقرّه بعيدٌ عن القلب، وكم من ناءٍ بجسده خليلٌ للوجدان، صفيّ المقام، وليّ حميم ! كما قيل: بيني وبينك أميالٌ تُباعدنا والروحُ يا منيتي بالروحِ تتصلُ فما المودة الأصيلة إلا سكن الأرواح، وحيّز النفوس، ومرابع المُهج، وجِنان الطوّية، وصفاء البواطن، لا يحول بينها وبين من تستأثره بحبك حائل، ولا يردع بينها وبين من توده رادع.. فلا سدود تُبنى بالمسافات إلا ما سُدّ بين الروح والمُهج، فالروح تتسع لكل حبيب دانٍ أو ناءٍ.. فـ: إن لم يكن للعين إتمامٌ لرؤيتكم فالقلب مسكنكم والرّوح تتسع لحظة إدراك: ما الحب إلا طاقة مودة تُنثر بين الأرواح، تتلقفها وإن تناءت الأجساد، وتباعدت الأزمنة، أو عزّ اللقاء، وصعب التلاق، وهذا مما اختُص بمكارم الروح، وفضائل المودة ومآثر الحب الأصيل الذي يتجاوز كل حاجز، ويتخطى أي حاجب!