15 نوفمبر 2025
تسجيلفي الطبِّ، يُطلقُ مُصطلحُ: مُتلازِمَة على مجموعِ الأعراضِ والعلاماتِ التي تُهيئُ لحدوثِ مرضٍ ما، أو ترافقُ الإصابةَ به. وفي السياسةِ، توجدُ أعراضٌ وعلاماتٌ لمرضِ الإرهابِ، منها: قيامُ الدولةِ بقتلِ مواطنيها، وتهجيرهم، وتدميرِ مُدنِـهِم وقراهم. ولجوءُ الشعوبِ إلى السلاحِ دفاعاً عن نفسِها. إلا أنَّ أهمَّ العلاماتِ هي بروزُ تنظيماتٍ إرهابيةٍ لها أذرعٌ عسكريةٌ تقومُ بالقتلِ وسَفْكِ الدماءِ بحُجَّـةِ الدفاعِ عنِ الأمةِ والأوطانِ. فنلاحظُ أنَّ خطابَها الإعلاميَّ السياسيَّ خالٍ منَ الأملِ في غدٍ أفضلَ، وأنَّـهُ ليس إلا عباراتٍ جوفاءَ تُبَـرِّرُ جرائمَها. وأنها تتعاملُ معَ الإنسانِ كشيءٍ بلا إرادةٍ ومشاعرَ وروحٍ، وكرقمٍ يمكنُ حَـذفُـهُ منْ معادلةِ الحياةِ بكلِّ بساطةٍ. ولأنْ ليسَ لديها قضايا حقيقيةً تدافعُ عنها، فإنَّها تبحثُ دائماً عن عدوٍّ خارجيٍّ أو داخليٍّ. فقادتُها يدركونَ أنَّ الاستقرارَ والأمنَ والتنميةَ والتَّحضُّرَ والتَّمَدُّنَ هي عواملُ لا تسمحُ لها بالبقاءِ والتَّمَـدُّدِ، لذلك يرفضونَ الحوارَ الوطنيَّ الجادَّ، ويسعونَ لاستمرارِ القتالِ دونما اهتمامٍ بالأثمانِ الباهظةِ له بشرياً واقتصادياً وحضارياً.فعندما يحتكرُ فردٌ الوطنَ والشعبَ كمُلكٍ شخصيٍّ له، كما هو حالُ النظامِ السوريِّ الأسديِّ، والنظامِ الانقلابيِّ في مصر، والنظامِ اليمنيِّ السابق، ويتيمِ القذافي؛ خليفة حفتر في ليبيا، أو تحتكرُ مجموعةٌ هنا وجماعةٌ هناك لنفسها تحديدَ مفهومَيْ الحُكمِ والنظامِ السياسيِّ كالداعشيةِ، والحالشيةِ، والحوثيةِ، والحَشديةِ، نسبةً لتنظيم الدولة الإسلامية في العراقِ والشامِ، وحزبِ الله اللبنانيِّ، وجماعةِ الحوثيِّ اليمنيةِ، والحشدِ الشعبيِّ العراقيِّ، فإنَّنا أمامَ حالةٍ تُؤسِّسُ للفوضى وزوالِ سلطةِ القانونِ، وتُبَـشِّرُ بعهدٍ دمويٍّ يُخلخلُ النسيجَ الـمجتمعيَّ، ويُضعضعُ الشكلَ الضامنَ لحياةٍ طبيعيةٍ للبشرِ في أوطانِهِم، أي الدولةُ ومؤسساتُها وأجهزتُها الـمختلفةُ. وهي حالاتٌ يستثمرُ أصحابُها الأوضاعَ الاقتصاديةَ والاجتماعيةَ الصعبةَ للشبابِ صغارِ السنِّ بخاصةٍ، لإيهامِهِم بأنَّها ناتجةٌ عن الابتعادِ عن دينِ اللهِ وليس عن ضعْفِ التخطيطِ الاقتصاديِّ وسوءِ الإدارةِ وتفشِّي الفسادِ، فينقلبونَ إلى أدواتٍ تقومُ بأمورٍ تخدمُ كلَّ شيءٍ إلا الشعوبَ والأوطانَ. ونحنُ لا نُناقشُ ضمائرَهم، ولا شأنَ لنا بما تُخفي قلوبُهُم، ولكننا معنيُّونَ بالأعمالِ الإجراميةِ التي يقومونَ بها، وبالجذورِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ التي اسْتُغِـلَّتْ لتكوينِ فِـكرِهِم. فيجبُ علينا، أولاً، البحثُ في سُبُلِ تحقيقِ الحياةِ الكريمةِ لهم في أوطانٍ تحترمُ إنسانَها وتتعاملُ معه كقيمةٍ عظمى. وثانياً، مواجهةُ الفِـكْـرِ بالفكرِ، والسعيِ لاحتضانِ شبابِنا بالحوارِ. وأخيراً، التَّشَـدُّدُ في الـمواجهةِ الأمنيةِ للمخططاتِ الإرهابيةِ. علينا، إذنْ، البدءُ في مرحلةٍ جديدةٍ في خطابِنا الإعلاميِّ العربيِّ تؤكِّـدُ على البُعدِ الإنسانيِّ الـمَدَنيِّ في الإسلامِ كضامنٍ لحقَّ الإنسانِ في الحياةِ والعملِ والـمعيشةِ بحريةٍ. وهذا سيؤدي، بعد سنواتٍ، إلى حَصْـرِ الفِكرِ الإرهابيِّ في بُؤَرٍ لا تُحاربُها الدولُ وحسبُ، وإنما ترفضُها الشعوبُ التي ستنظرُ إليها كتهديدٍ مباشرٍ لعقيدتِها السمحاءِ، ولحياةِ أبنائها ومستقبلهم. كلمةٌ أخيرةٌ: رغم القوةِ التي تبدو عليها التنظيماتُ الإرهابيةُ، فإنَّها ليستْ أكثرَ من حالاتٍ تسبقُ الانهيارَ الشاملَ للأنظمةِ السياسيةِ الـمُستبدةِ. فهي كصحوةِ الـموتِ التي نلاحظُها في الدقائقِ الأخيرةِ من حياةِ بعضِ الأشخاصِ، حينَ تحلُّ في أجسادِهِم قوةٌ تجعلُهُم يتحركونَ ويتحدثونَ معَ الذينَ حولَهم، ثم يأتي الـموتُ بَغتةً فتتهاوى أجسادُهُم، وتهمدُ حركتُهُم إلى قيامِ الساعةِ.