15 سبتمبر 2025

تسجيل

عن القراءة

09 مايو 2016

يعد كتاب تاريخ القراءة، الذي كتبه القارئ المشهور: آلبرتو مانغويل، وأصدرته دار الساقي مترجما، أحد أهم الكتب التي ينبغي لكل باحث عن السبب في متعة القراءة، وتفوقها على كثير من المتع الأخرى، حتى عهد قريب، الاطلاع عليه، ذلك أن الكتاب كان عبارة عن جهد كبير، قضى فيه الكاتب سنوات طويلة، وأنجزه ليمنحنا أولا شهادة معرفية عن القراءة، وثانيا ليمتعنا بقراءة الكتاب. الكتاب يتعرض تقريبا لكل الحقب التاريخية، منذ أن عرف الناس كيف يقرأون على نطاق ضيق، وحتى لحظة اكتشاف الطباعة منذ قرنين بواسطة نوتنبيرج، وبداية انتشار المعرفة على نطاق أوسع حين انزاح عبء النسخ اليدوي للكتب وأصبحت تطبع برص الحروف والحبر، وتجلد وتحمل إلى بعيد.لكن أمتع ما في الكتاب، تلك الطقوس التي كانت تلازم القراءة، وآلية الاستماع للنص المقروء، ذلك أن القراءة لم تكن مفردة في بداية تعرف الناس إليها، بمعنى أن ينكفئ أحدهم على نص في عزلة تامة، ويستمتع به، أو يستخلص منه المعرفة، ولكن تجري في مجموعات، تجلس للاستماع بينما هناك معلم وغالبا هو أحد القساوسة، يقوم بفعل القراءة، ونعرف أن التعليم كان قديما من وظائف الكنيسة، والمدارس التي تنشأ، يقوم برعايتها قساوسة، يهتمون أولا بتدريس النصوص المقدسة، ثم العلوم الأخرى بعد فلترتها، بحيث لا تقترب أو تعارض الدين المسيحي، ويقول المؤلف أن هذا الطقس كان يحدث نشوة كبرى لدى المستمعين تقترب من الطرب، وشخصيا أظنها نشوة الاكتشاف التي يحدثها فعل الإلمام بمعلومة معرفية جديدة، بعكس ما يحدث معنا الآن في هذا العصر، حيث لا نشوة، ولا طرب لأي اكتشاف، وباتت الدنيا كلها مكتشفة، يمكننا الخوض في تفاصيلها ببرود شديد.أيضا تعرض الكتاب لطرق ممارسة القراءة، والأدوات المساعدة لكي تتم القراءة بمزاج جيد. هناك مقاعد وطاولات خاصة، وجلسات متعددة يتخذها المرء أثناء قراءته، هناك من يقرأ مستلقيا، وهناك من يقرأ ماشيا أو راكضا، وحقيقة ذكرني ذلك بطقوس الكتابة نفسها، وهي لا تختلف كثيرا، حيث لدى كل كاتب، طقسا معينا، ووضعا معينا يريحه أثناء الكتابة، فقط أصبح تعدد الطقوس صعبا كثيرا في السنوات الأخيرة، لأن استخدام جهاز الكمبيوتر، وحتمية الجلوس مقيدا إلى مقعد أثناء الكتابة، قلل من تعدد الوضعيات.أعتقد أن القراءة الجماعية، برغم تقلصها كثيرا، وجنوح القراء إلى العزلة والانفراد بكتاب، هي الأفيد للباحثين عن المعلومة، في الكتب العلمية، حيث يمكن أن يدور نقاش مهم أثناء فعل القراءة، وبالتالي فائدة كبرى لكل من يستمع أو يناقش، بعكس القراءة الأدبية، فهي التي يصلح فيها الانفراد بالكتب ومحاولة الاستمتاع بكل ما فيها، ذلك أن الأدب في معظمه وبرغم القضايا الكبرى التي يحاول معالجتها، هو كتابة مسلية، وسلسة، ويمكن أن يخرج القارئ حين ينفرد بكتاب ممتع لفترة طويلة، بقصة حب كبيرة مع ذلك الكتاب، والسعي لكتب أخرى مشابهة.