13 ديسمبر 2025
تسجيلفي وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حالة تهدئة نادرة مدفوعة بإعادة تموضع إقليمي يتمثل بتقارب بين القوى الإقليمية العربية-العربية والعربية-الإقليمية، نلحظ تقاربا بزيارات واستثمارات بين تركيا وكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة ووعود باستثمارات في الاقتصاد التركي. في تراجع كبير من حالة التصعيد والاستقطابات والمناكفات منذ موقف تركيا من الربيع العربي. كما نشهد تقاربا تركيا - مصريا بزيارات وزراء خارجية ووضع مطالب الطرفين لتقارب واستئناف العلاقات الدبلوماسية. وحتى بدء جس النبض بين تركيا وسوريا، تسبق انتخابات الرئاسة التركية الحاسمة!. لكن الانفراجة والتهدئة الأكبر إذا نجحت، تنهي الحرب الباردة بتمكين السعودية وإيران والصين بنجاح مبادرتها لإعادة العلاقات وفتح البعثات الدبلوماسية خلال شهرين، بعد قطيعة وحرب باردة منذ عام 2016 بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية العامة في مشهد، رداً على إعدام السعودية نمر النمر رجل الدين الشيعي الذي أعدم بعد محاكمته. عقد وزير خارجية السعودية ونظيره الإيراني أول اجتماع لهما في سبعة أعوام في بيجينغ لوضع ترتيبات افتتاح البعثات الدبلوماسية واستئناف منح تأشيرات الدخول والرحلات الجوية وتبادل الزيارات بين وزيري خارجية البلدين. يخرق أجواء التهدئة الإقليمية بين الخصوم في المنطقة، تصعيد التطرف الإسرائيلي بسياسة حافة الهاوية التي تنذر بتفجير حرب سادسة مع غزة وانتفاضة ثالثة بعد عودة نتنياهو على رأس الحكومة الأكثر تطرفاً وفاشية بتاريخ الاحتلال. بقيادة أحزاب فاشية وصهيونية دينية كوزير الأمن الداخلي ايتمار بن غفير الذي كان يقتحم المسجد الأقصى، ليصبح وزير الأمن الداخلي ويخضع نتنياهو لشروطه ويشكل مليشيا حرس الحدود لترهيب والتنكيل بالفلسطينيين، وسيموترتش وزير المالية الذي لا يقل تطرفاً عن بن غفير والذي يطالب بحرق مدينة حوارة ولا يعترف بالفلسطينيين ويضع خريطة إسرائيل الكبرى لتضم الأردن. ما يحرج ويستفز أمريكا والدول المطبعة مع إسرائيل-مصر والأردن-ودول «اتفاق ابراهام» عام 2020 برعاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب. يضاف لها الخلافات العلنية الحادة بين الحليفين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بسبب انتقاد ورفض أمريكا تحجيم وتهميش السلطة القضائية بقانون «الإصلاحات القضائية» التي أجلها ولم يلغها نتنياهو، لإنقاذ جلده من الإدانة والسجن. لأن أمريكا تؤمن أن إسرائيل حليف أمني، وشريك بالقيم والثقافة والتراث والديمقراطية. وكذلك تعترض أمريكا على توسيع المستوطنات وتقويض حل الدولتين واقتحامات المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين بشكل غير مسبوق. وبرغم تأكيد نتنياهو الكاذب ليس لدى إسرائيل رغبة في تغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس! إلا أن الاعتداءات والتصعيد تراجع، لكنه لم يتوقف. ما دفع إدارة الرئيس بايدن للتعبير عن الاختلاف والانزعاج وانتقاد خجول نادر لإسرائيل. لكن رغم ذلك عرقلت واشنطن قرار مجلس الأمن الدولي الذي يندد بسلوك إسرائيل والاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى. ثم يتساءل الأمريكيون بتسطيح لماذا يكرهنا العرب والمسلمين؟!. فجّر تطرف حكومة نتنياهو والاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى والتنكيل بهم، وقتل أكثر من 95 فلسطينيا مقابل 22 إسرائيليا منذ مطلع العام، رداً بعمليات فردية، وقصف صاروخي من غزة، لكن الصدمة تمثلت بهجوم مفاجئ من جنوب لبنان باستهداف مستوطنات الجليل الغربي شمال فلسطين برشقات 34 صاروخا قصير المدى من طرازي غراد وكاتيوشا، الخميس الماضي تم اعتراض معظمها. ما خرق الردع المتبادل بعد أكبر هجوم صاروخي من جنوب لبنان على المستوطنات الإسرائيلية منذ حرب تموز - يوليو 2006 التي دامت 33 يوماً على الحرب بوقف إطلاق النار بقرار مجلس الأمن الدولي 1701. لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي، مع تنصل حزب الله. ما دفع لعقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر وتأكيد نتنياهو «سنضرب أعداءنا وسيدفعون ثمنًا لعدوانهم». أتت رسائل الرد الصاروخي من لبنان رداً على تصعيد واعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى بشكل وحشي ومستفز. وبعد توعد إيران بالانتقام للغارات الإسرائيلية المتكررة ومؤخراً مقتل ضابطين من الحرس الثوري الإيراني منذ مطلع أبريل بعد تكرار غارات إسرائيل على مواقع لمليشيات موالية لإيران في سوريا، وسقوط قتلى لإيران وحزب الله والجيش السوري، دون أي رد!. والرسالة الثالثة، كذلك تزامن الهجوم الصاروخي مع بدء عيد الفصح اليهودي -أهم أعياد اليهود-، ولإحراج نتنياهو وحكومته الأكثر تطرفاً. كانت تسخر من حكومة بنيت-لابيد لعجزها عن توفير الأمن. فإذا بإسرائيل تتعرض لهجمات من غزة ولبنان!. ويعيش اليهود في حالة هلع ويُقتلون، ويهرعون للملاجئ جنوباً وشمالاً! وهناك من يراه لتخريب الاتفاق السعودي-الإيراني!. كان الرد الإسرائيلي متوقعاً محدوداً ومدروساً للتنفيس ولحفظ ماء الوجه. قصفت إسرائيل ثلاثة أهداف على مخيم الرشيدية وسهل القليلة شرق مدينة صور جنوب لبنان دون وقوع إصابات. وشنت إسرائيل غارات على عشرة أهداف وأنفاق ومواقع تصنيع أسلحة تابعة لحركة حماس في قطاع غزة. ولامتصاص استياء ومطالب الوزراء والقيادات الحزبية المتطرفة من أقصى اليمين الفاشي في ائتلاف حكومة نتنياهو، ولعدم انهيار تحالف الحكومة الهش الغارقة في صراع واشتباك داخلي على خلفية تهميش وتحجيم السلطة القضائية وخاصة أحكام المحكمة العليا، وإقالة وزير الدفاع ثم التراجع عن الإقالة وخضوع نتنياهو للابتزاز بإنشاء (مليشيا) حرس الحدود، تحت إمرة بن غفير لترهيب والتنكيل بالفلسطينيين، ما فجر أكبر مظاهرات احتجاج بتاريخ كيان الاحتلال. برغم اتهام وزير الخارجية الأردني إسرائيل بدفع المنطقة للهاوية! واستدعاء نتنياهو الاحتياط، لكن إسرائيل المأزومة وإيران وأذرعها لا ترغبان بتفجر حرب إقليمية مع حماس والجهاد الإسلامي في غزة وحزب الله في لبنان. لذلك تم احتواء التصعيد المتبادل بنجاح وساطة وضغوط الولايات المتحدة ومصر وقطر والإمارات ولو مؤقتاً. لكن الأخطر تهديد نتنياهو بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي!.