11 سبتمبر 2025

تسجيل

جرب أن تعيش تلك العلاقة ضمن قالب الصداقة

09 أبريل 2016

منذ أعوام مضت، كنت قد قرأت مقالاً عن الصداقة، وعن أهميتها بالنسبة للأفراد، وكانت الخلاصة التي توصلت إليها أن الصداقة تعمل كمضاد للاكتئاب، بمعنى أن الفرد منا وكي يعيش مُقبلاً على الحياة، فلا بد له من صديق يأخذ بيده، يُنصت إليه، ويُفرغ بكل ما يسكن أعماقه له، شريطة أن يكون هذا الصديق حقيقياً وليس مزيفاً، وحريصاً على إسعاده بشكلٍ يسر ولا يضر، ويُخفف عنه، حتى ينهض بنفسه متى أنهك التعب قواه، أو يُساعده على التحليق عالياً، دون أن يسمح بظهور ما يمكن بأن يخطفه بعيداً عن مصدر سعادته، وبصراحة فلقد أخذ مني ذاك المقال مساحة كافية سرت نحوها وأنا أفكر ملياً بهوية من عساه يتقدم بكل ما قد سبق؛ ليصبح صديقاً ترتاح له النفس، ويشتاق له القلب، وتميل إليه الروح رغم أنف كل الظروف التعيسة، ولم أجد من ينطبق عليه كل ذلك سوى الأم والأب، وأنها لحقيقة لا غبار عليها، ولا حق لأي أحد برفضها أو حتى التشكيك في سلامة قواها العقلية؛ لأنها ثابتة وليست متغيرة وتجبر هذا الحديث على الاستمرار؛ للكشف عن المزيد.أحبتي: لقد توجهت الكثير من الأقلام الواعية والجادة نحو الكتابة عن هذه العلاقة، ولكن مالت أغلب تلك الكتابات إلى التحدث عنها من زوايا مختلفة، تختلف تماماً عن الزاوية التي سأسلط الضوء عليها اليوم، وهي تلك التي تحث على تحسينها ضمن قالب فريد من نوعه، ألا وهو قالب: (الصداقة). الصداقة علاقة واعية جداً نُقبل عليها؛ لأنها تسد نقصاً ما لم نتفرغ له؛ لشعرنا بالضياع، الذي ستضيع معه أغلب لحظاتنا الجميلة، دون أن نتمكن من الاستمتاع بها ومعايشتها كما يجب، وتمتاز بقدرتها على البقاء لفترة طويلة جداً ستصبح خلالها أكثر جمالاً وطيباً بفضل تلك التفاصيل، التي تظل عالقة في الذاكرة دون أن تتأثر بمزاجية الظروف، التي تعبث بأغلب العلاقات، غير أنها تقف صامدة أمام هذه العلاقة الأزلية، التي تربط الآباء بأبنائهم منذ زمن بعيد لربما لا يخطر على البال، ولي شرف فعل ذلك الآن، فإليكم التالي: إن هذه العلاقة التي ستكون محور حديثنا اليوم أصيلة جداً، تبدأ مقدماتها بالتحليق في الرؤوس كَسُحب مُحملة بكثير من الآمال، حتى من قبل أن يدرك الفرد أنه يقف على عتبة التفكير بمشروع الارتباط والزواج وذلك؛ لأن ما يشغله حينها هو البحث عن وسيلة تسمح له بالامتداد الذي سيُخلد اسمه وذكراه؛ كي يستمر العطاء، حتى وإن رحل عن هذه الحياة، ولنا أن نتخيل كيف ستكون مثل هذه العلاقة، التي لن تبدو عادية البتة، وذلك بفضل قيمتها الكبيرة في حياة الفرد، الذي سيحاول تحسينها وبكل الطرق المشروعة والممكنة، وهو ما سيُقبل عليه في سبيل المحافظة على علاقته سليمة وبأكبر قدر ممكن، غير أنه ما يبدو صعباً للغاية في بعض الأحيان وذلك؛ نتيجة لتأثرها تلك العلاقة بين الحين والآخر؛ بسبب الظروف التي لا نحسب لها حساباً أو نتعرض لها على غفلة، فما نفكر به، ونرسمه على صفحة الأحلام هو ما لا يمكن تطبيقه كما هو على ظهر صفحة الواقع، فالحياة متغيرة، متقلبة، وغير ثابتة، فهي تخضع وفي نهاية المطاف للعديد من التغييرات التي تختبرنا، ويجدر بنا خوضها بكل ما نملكه من طاقة تُعين على مواجهة كل ما نتعرض إليه، ومن ثم الخروج من وسط تلك المعمعة بخبرات جديدة وتجارب مفيدة يمكننا الاستناد إليها في مراحل لاحقة، لربما نواجه فيها من الظروف ما سيُذكرنا بما سبق، دون أن تفرض علينا أي جديد سواه تقدم العمر الذي سندرك معه ومن خلاله قيمة تلك العلاقة التي تجمعنا بمن نحب، وتحتاج منا إلى فهم حقيقة أن هذه العلاقة عكسية، تأخذ وتعطي؛ كي تستمر، ولضمان نجاحها، فنحن بحاجة ماسة إلى إعطاء ما نبحث عنه، وهو ما قد يأخذ وقتاً إضافياً قبل أن ندركه كما يجب، فما كنا نُطالب به ونحن أصغر سناً من حب لا مثيل له، لم نكن لندرك في ذاك الحين أنه ومن الواجب بأن يكون منا أيضاً (لا) لنا فحسب، غير أننا فعلنا وبدأنا نفهم أكثر بعد أن كبرنا، وأدركنا أن العلاقة التي كانت تربطنا بمن نحب لم تكن علاقة عادية بل صداقة احتوتنا، وساعدتنا على أن نكون ما نحن عليه، وإن لم تكن ظاهرة ومكشوفة من أمامنا على أنها صداقة كما أدركنا مؤخراً.من همسات الزاويةأن تُربي لا يعني أن تُسيطر، أو تفرض على أبنائك نمطاً معيناً للحياة، بل أن تمنحهم مساحة كافية تختبر من خلالها تلك العلاقة الجميلة التي تربطك بهم، وتحتاج إلى صديق يقضون معه أجمل الأوقات، التي ستعيش وإن رحلت عن هذه الحياة.