11 سبتمبر 2025
تسجيلقيل لعبد الملك بن مروان: كم اتى عليك من السن ؟ قال: انا في معترك المنايا..انا ابن ثلاث وستين سنة. كان السلف الصالح يُكثرون من ذكر الموت، ويؤكدون على أهمية الاستعداد ليوم المعاد، لأن هذا ما دل عليه الكتاب والسنة ووافقته العقول السليمة، ولكن الذين تبعوهم بعد ذلك والكثير منهم أضلهم الشيطان، فصاروا يحذرون من ذكر الموت، ويسمون ذلك «ثقافة الموت» من باب التنفير والسخرية، ويعللون ذلك بتعليلات عليلة، وشبهات واهية، لا علاقة لها بالموضوع، كقولهم: إن ذلك يجعل الإنسان منطويا حزيناً باكيا، تاركاً نصيبه من الحياة الدنيا، رافضاً البناء والتعمير والإنجاز والتقدم وعمارة الأرض.والصواب: أن تَذَكر الموت وتذكير الناس به وفق الطريقة الشرعية الواردة في الكتاب والسنة أمر مطلوب ومحفز وليس منفرا كما يعتقد الكثير. كيف نتجاوز معترك المنايا ان معترك المنايا هو جزء من عمر الانسان يقع بين ال ٦٠ الى ٧٠ سنه..وهذا قول النبي عليه افضل الصلاة والسلام (ان معترك المنايا ما بين الستين والسبعين سنة)، والمعترك كما هو واضح لنا هو موضع القتال او موضع العراك والمعاركة فكأن هذا السن بعد الستين هو ميدان حرب للشخص ويكثر فيه الموت.. وهذا ما نلاحظه في هذا الوقت كثرت الجلطات والسكتات القلبية للناس وهم في سن معترك المنايا.. ايضا ان معدل الوفاة تقريبا في جميع أنحاء العالم ما بين ٦٥ الى ٧٠ سنه وهذا كلام المنظمات الصحية.. عموماً وفي غالب الامر ان المرء في هذا السن بين الستين والسبعين تضعف قواه وتقل عزيمته..فيكون صيداً سهلا للعيش في أوهام قرب أجله وأنه فات عليه العمر لعمل أي شيء لنفسه ولغيره، لذلك فان معترك المنايا هي مرحلة مهمة وخطيرة على اي متقاعد اذا استسلم لزوايا النسيان الحادة، وسقط في فخ ووهم التجاذبات النفسية المنهكة، ويتضرر منها كل شخص يبعثر وقته وطاقته سلبيا، بحيث تمر عليه الساعات وربما الايام او السنين خاملا محبطا ومشتتا ذهنيا ووجدانيا..بينما هناك نماذج أخرى تتخطى وتتجاوز محطة معترك المنايا بالثقافة العالية، والاستثمار الايجابي للوقت بالقراءة والرياضة وتعدد الصداقات وهروبه من تقليدية تسرب الوقت.. والبعض الاخر يتفوق على ذاته بالتفكير الايجابي خارج الصندوق من خلال استثماره للخبرات التي يكتنزها ويقدمها للمجتمع المحيط به من خلال تواصله وصلته وقربه معهم.. وهنا يصبح الشخص اكثر سعادة وهو يقدم ذاته وعصارة فكره في المجالات التي تفجر طاقاته وامكانياته. السؤال المطروح هل هناك من جهات أومنظمات مجتمع مدني او مراكز شبابية تطلق مبادرات لتشغيل هذه الطاقات وتوجيهها توجيها إيجابيا لفائدة البلد والمجتمع والاستفادة من قدرات وإمكانيات أصحاب معترك المنايا الذي أرى ويرى البعض ايضا بأن لديهم الكثير لتقديمه في مجالات مختلفة، ويا حبذا لو قامت مراكز الشباب بهذه المبادرات لخلق نوع من التواصل وتبادل الخبرات بين الأجيال الحالية والأجيال السابقة، لأن الانسان في هذا العمر وتذكره بأنه قريب من مفارقة هذه الدنيا الفانية هو الذي يجعل منه إنساناً نشيطاً يعمل كل خير ينفع به الناس والحيوان، ويجعله يتقن عمله، ويخدم الناس، ولا يعتدي عليهم، ويكون محفزاً بأن يفكر في القيام بالصناعات والابتكارات والأعمال التي تنفع الناس، ومع هذا لا يأخذ زيادةً عن حقه، مهما كانت الإغراءات، لأنه يعلم أنه مفارق، وسيُسأل عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟. كسرة أخيرة أعزائي يرجى الانتباه عند وصولنا الى هذا العمر بمراجعة حساباتنا ونحاسب أنفسنا قبل ان نحاسب.. نخاف الله في الدنيا من أجل ان نكون آمنين يوم القيامة.. الموت مصير كل حي ولايوجد حدث أكثر واقعية من الموت.. ونعلم تماماً انه لا ينجو منه أحد لا ملك ولا نبي ولا قوي ولا غني..الموت مصير كل حي. فالانسان يسلم نفسه لربه منكسرا بين يديه..متذللا لعظمته.. مقدما حبه لله سبحانه وتعالى. لكي يغفر له ويرحمه، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا ايها الناس.. توبوا إلى اللَّه..فإني اتوب اليه في اليوم مائة مرة). لابد أن نقتدي بقدوتنا النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث: (أكثروا من ذكر هادم اللَّذات) أي: الموت، وهو القائل أيضا: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) والعجب أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أكثروا من ذكر الموت، وبعض الناس في زماننا هذا يقولون: لا تذكروه، وهذه تعتبر مخالفة ومعاندة لسنتنا التي فطر الله علينا كمسلمين ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم أطل أعمارنا على طاعتك، وبارك لنا فيها، واجعلنا مستعدين لما أمامنا بما يرضيك عنّا، وسلامتكم.