30 سبتمبر 2025
تسجيلروي أن فتاة كانت تجلس في حافلة ركاب، فتوقفت الحافلة وركبت امرأة حشرت نفسها وحقائبها الكثيرة بجانب الفتاة وضايقتها لكنّ الفتاة بقيت متبسمة راضية ولم يبدُ عليها الانزعاج وكأن شيئًا لم يكن، لكنّ رجلًا كان يراقب المنظر وانزعج مما رأى، وسأل الفتاة لماذا لم تتكلمي وتقولي شيئاً لهذه المرأة الفوضوية..؟!! فأجابت الفتاة بابتسامة هنيّة: ليس من الضروري أن تكون قاسياً وتجادل في كل شيء تافه، "فالرحلة قصيرة" وأنا سأنزل في المحطة القادمة.. "الرحلة قصيرة" هذه الجملة القصيرة تستحق أن تكتب بماء الذهب ونعمل بها في تصرفاتنا اليومية.. فالحياة كلها عبارة عن رحلة قصيرة لا تستحق أن نحمل فيها أي شيء ثقيل.. ولا نعطيها كل وقتنا وهمنا، وليس من الضروري أن تكون قاسياً وتجادل في كل شيء لأن "الرحلة قصيرة..!!" كن هادئاً... إذا انتبه كل منا أن رحلتنا في الدنيا "قصيرة" لن نجعلها مظلمة، مليئة بالجدال والخصومة، والكيد وعدم العفو عن الآخرين لكي لا يضيع جهدنا ووقتنا وشبابنا وجمال حياتنا.. فالرحلة قصيرة، تعالوا نقضيها مع بعضنا البعض في سلام وأمان وحب واحترام ونملأ هذه الرحلة القصيرة بكل الحنان والدفء والعمل الصالح، فالله سبحانه وتعالى أبلغنا بأن الإنسان حين تنتهي حياته في الدنيا ويرى الآخرة ويتيقن أن الله صدق وعده يظن أنه لم يلبث في الدنيا غير ساعة واحدة من زمنه (... كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَٰغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْفَٰسِقُونَ) الآية (35) الأحقاف، فنستغل هذه الساعة في الخير ولا نكدر أنفسنا بأي عمل يعكر علينا حياتنا "فالرحلة قصيرة" ولا تستحق منا كل هذا العناء والهم والغم، هل كسر أحدهم قلبك..؟ كن هادئاً "فالرحلة قصيرة" هل ضايقك أو استهزأ بك أحدهم..؟ كن هادئاً "فالرحلة قصيرة" هل نسي أحدهم معروفك ووقفتك معه وسؤالك عنه؟.. كن هادئا "فالرحلة قصيرة"، هل انتقص أحدٌ قدرك ولم يقدرك حق التقدير..؟!! كن هادئاً "فالرحلة قصيرة"، مهما كان وقع عليك من ظلم تذكّر دوماً أن "الرحلة قصيرة"، لنكن هادئين طيبين كاظمين الغيظ، صبورين ومع الآخرين متسامحين.. فلنحتسب الأجر عند الله فهذا أعظم وأحسن. (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الآية (4) الشورى (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور) الآية (43) الشورى. بعد فوات الأوان كم من الأحداث التي تحصل لنا يومياً، وبعضها لا يستحق أن نثور ونفتعل الخصام ومسارها إلى أحداث مأساوية يندم فاعلوها ولكن بعد (فوات الأوان) وكثير من الأحداث التي لا تستحق هول ما أعقبها لأنها أصلا تافهة، فلنحسن التعامل مع الآخر سواء كان هذا الآخر من بعضنا أم بعيدا عنا وضمن حدود فاصلة، أي ألا يكون هذا البعيد عدوا معروفا ويريد الإيقاع بنا، الرحلة قصيرة ولا تستحق الخصام بل ليكن الوئام رسالتنا لأن الرحلة فعلا قصيرة، إذا كانت لك ذاكرة قوية.. وذكريات مريرة.. فأنت أشقى أهل الأرض لا تكن كقمة الجبل.. ترى الناس صغارا ويراها الناس صغيرة. أمنية الوداع فنتأمل أمنية المحتضر، أمنية فات أوانها وانقضى زمانها، لقد أُعطي ابن آدم فرصا كثيرة أثناء حياته ولكنه - وللأسف الشديد – أضاعها، وفي آخر عهده بالدنيا يصف القرآن الكريم وصفا صادقا ودقيقا، مشاعر ذلك العبد المفرط المتحسر: "وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ"، المنافقون آية 10، من هذه الآية الكريمة يتضح أن الصدقات توصل إلى درجات الصلاح العالية، وأن من صفات الصالحين الإنفاق في سبيل الله عز وجل، فما هي فائدة الأرصدة الكبيرة، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة إذا كانت ثمرتها هذه الحسرة عند مغادرة الدنيا، والندم المؤلم ساعة ترك الدنيا والإقبال على الآخرة؟، ثم ألم يكن من الأفضل أن نقدم اليسير منها لرب العالمين، وضيعنا من وقت رحلتنا القصيرة الكثير في جمعها والكد لجمعها، إنها الصدقات هي التي توصلنا إلى صلاح رحلتنا القصيرة وصلاح الآباء ذخر وحماية للأبناء والأحفاد من بعدهم، هذا المعنى تؤكده آية سورة الكهف (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) الكهف 82، إنها رحمة الله تدرك الأبناء بصلاح الآباء تحفظهم وتحميهم وتوفقهم أحياء وأمواتا، إنني هنا أسأل الأم الفاضلة، والوالد المحترم: أليس في هذا ضمان لمستقبل أبنائنا؟! أليس أبناء الصالحين (المتصدقين) في حفظ الله ورعايته؟، ألا يختصر هذا العمل البسيط ثمار ما نجنيه من رحلتنا القصيرة التي قضيناها في الدنيا؟. كسرة أخيرة لماذا يختار الميت الصدقة لو رجع للدنيا؟ كما قال تعالى: (رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ)، ولم يقل: لأعتمر.. أو لأصلي..أو لأصوم؟ قال أهل العلم: ما ذكرالميت الصدقة إلا لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته.. فأكثروا من الصدقة، فإن المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته.. وتصدقوا عن موتاكم فإن موتاكم يتمنون الرجوع للدنيا ليتصدقوا ويعملوا صالحاً، فحققوا لهم أمنيتهم، وعودوا أبناءكم على ذلك.. تصدقوا.. إن الله يجزي المتصدقين.. لو علم المتصدق حقّ العلم وتصور أن صدقته تقع في (يد الله) قبل يد الفقير، لكانت لذّة المعطي.. أكبر من لذة الآخذ.. ابن القيم، وللصدقة فوائد كثيرة أدناه تمنع الحـرق، والغـرق، والسـرق، وتمنع ميتة السوء، وأعلاها تفتح لك بابا من أبواب الجنة. الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية [email protected]