13 سبتمبر 2025

تسجيل

كابتن المثقفين

09 مارس 2016

أثّرت فيّ مكالمته الأخيرة أيّما أثر، حين أخبرني أنه سيترك العمل في فترة قريبة؛ فقد عرفتُ الرجل قبل سبعة عشر عامًا في نادي الجسرة، وكنت يومها أتهجى أوّل حروف الغربة، يومها وجدت في النادي وصالون الأربعاء السلوى والعزاء، بصداقة مثقّفين جمال أثروا المشهد الأدبي والثقافي في الدّوحة، وغاب منهم كثير، وجاء بعدهم كثير، وكان الأستاذ محمد عصفور الجندي المجهول الذي يقف وراء الترتيبات التي أدّت إلى نجاح نشاطات نادي الجسرة، ومن ثَمّ نجاحات الصالون الثقافي في وزارة الثقافة. وقد شهدت بعض أعباء عمله في إعداد كتابٍ يتضمّن شهادات محبّي الشاعر والصحفي الراحل حسن توفيق، ولمسْتُ حرصه على أن يخرج العمل في أبهى حلّة من حيث الشكل والمضمون، وأن يحيط بجميع ما كُتبَ عنه من قبل النقّاد والأصدقاء. عرفت محمد عصفور (المعزّب) في كل نشاطات الصالون الثقافي، مرحّبا بالجميع، وابتسامة ابن النيل الأسمر لا تغادر ملامحه، عرفته حادبًا على أصدقاء الصالون ومثقفي المدينة، فيتفقد الغائبين، ويتودّد إلى الجدد، ويعاتب المغادرين. وبالنسبة إلى فقد كانت زيارة الصالون تحمل في جزءٍ منها رغبة أكيدة في رؤية محمد عصفور، وإلقاء السلام عليه، لا لشيء إلاّ لإنسانيته التي لا يختلف حولها كلّ من عرفه، لكنّ عدّاد الوقت لم يكن في الحسبان، ولم يكن ينقصنا نحن المبتلين بالأوطان المنكوبة خبرٌ كهذا، لكنّ للقدر حسابًا آخر. أجزم أن خسارة (كابتن) المثقفين محمد عصفور خسارة لا تعوّض، وأنّ كثيرًا من المثقفين يشاطرونني هذا الرأي، وأدعو له من كلّ قلبي أن يجد أيامًا هانئة وهادئة في أرضِ الكنانة، وأجد أنّ من الواجبِ أن نعدّ له حفل وداعٍ يليق بهذا الرجل النبيل.