10 سبتمبر 2025

تسجيل

حدود التصعيد بين حزب الله وإسرائيل

09 يناير 2024

منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى وعلى مدار شهرين تقريبا، نفذت منظمة حزب الله اللبنانية عمليات صاروخية متعددة ضد إسرائيل في أراضي جنوب لبنان المحتلة، وقد برر حزب الله العمليات بأنها تضامنا مع المقاومة المسلحة حماس وغزة. وفي مقابل ذلك، ردت إسرائيل على هذه الهجمات، باستهداف مواقع وعناصر للحزب في جنوب لبنان، لم تتجاوز مستوى رد الفعل. أي لم تتوسع إسرائيل في هذه العمليات بصورة انتقامية. فالمواجهة بين الجانبين قد مضت بصورة محسوبة مستقرة للحيلولة دون اتساع نطاق المواجهة إلى حرب شاملة على غرار عام 2006. وفي الأسبوعين الماضيين، توسع نطاق المواجهة نسبياً بين الجانبين عسكريا وإعلامياً، وبلغت ذروة تلك المواجهة عقب اغتيال الشيخ «صالح العاروري» في بيروت، مما دعا الشيخ «حسن نصر الله» إلى توجيه خطاب حاد إلى إسرائيل، محذراً فيه إسرائيل من مغبة القيام بعمليات اغتيالات أخرى في لبنان وضد قيادات المقاومة حماس، ومعلنا استعداد الحزب لخوض حرب مفتوحة مع إسرائيل. وبعد ساعات من خطاب الشيخ «حسن نصر الله» نفذت إسرائيل غارة جوية في جنوب لبنان قتل فيها «حسين يزبك» القائد البارز في الحزب وثلاثة من مرافقيه. مما أوحى بأن حربا شاملة على الجبهة اللبنانية على وشك الانطلاق. على الرغم من أن حربا شاملة على غرار 2006 بين الكيان الصهيوني وحزب الله، قد تندلع في أي لحظة، خاصة الآن في ظل التوتر المتصاعد بين الجانبين، وفي ظل أيضا حالة التخبط اللاعقلاني والانتقام العشوائي التي تعاني منها القيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، فعلى الأرجح، فإن هذه المواجهة لن تكون في الوقت الراهن، وذلك على خلفية اعتبارات عدة. قد بدا واضحا للغاية في ضوء قواعد الاشتباك المدروسة بين الحزب وإسرائيل منذ طوفان الأقصى؛ أن المتحكم في زمام المواجهة تماماً أطراف خارجية، ونقصد تحديداً الولايات المتحدة وإيران. فكلا الطرفين- حتى وبدون اتفاق سري أو غير معلن - لا يريدان مطلقاً أن يتسع نطاق المواجهة بين الجانبين إلى حرب، بسبب كارثية هذه الحرب، والتي ستشمل تورطهما المباشر في الحرب لاسيما الولايات المتحدة. فحزب الله يختلف كليا عن حماس، وذلك من حيث عدد القوات والخبرة القتالية ونوعية السلاح المتطور للغاية الذي يمتلكه خاصة الصواريخ ومضادات الصواريخ. مما يعني أن إسرائيل ستفتح جبهة قتال جديدة مع عدو شرس للغاية، هزيمته شبه مستحيلة. وهو ما يعني أيضا، انزلاق المنطقة برمتها في ساحة حرب إقليمية مفتوحة. فبحسب تقارير أمريكية مؤكدة، مارس الرئيس بايدن منذ طوفان الأقصى ضغوطا شديدة على إسرائيل لعدم توسيع نطاق مواجهتها مع حزب الله. ولعل قيامه بإرسال أكبر حاملة طيران للمنطقة كان لمنع اتساع نطاق المواجهة مع حزب الله وبالتبعية الدخول في خط مواجهة مباشر مع إيران. وعلى الجانب الآخر، قد بدا واضحا من تصريحات قادة إيران وأيضا حزب الله منذ اندلاع طوفان الأقصى، عدم رغبة إيران في توسع نطاق المواجهة وتجنب الانخراط في حرب مفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة. إذ ربما قد ارتأى الإيرانيون أن تلك المواجهة غير مطلوبة الآن بسبب كلفتها العالية جدا، وتداعياتها الخطيرة على المنطقة ومصالح إيران وخططها الإستراتيجية. أو ربما قد رأوا أن هذه المواجهة ستمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لارتكاب مجازر مروعة في القطاع، وإدخال القضية الفلسطينية برمتها في متاهات يصعب الخروج منها لأعوام. ومن ناحية أخرى، لا يجب أن نتغافل عن معطيات الحرب في غزة وتأثيرها على إسرائيل. إذ بحسب خبراء إسرائيليين، لم تحقق إسرائيل في حربها المتوحشة على غزة أي هدف إستراتيجي يذكر. بل والأهم من ذلك، تعاني إسرائيل اقتصاديا جراء هذه الحرب، وتعاني القيادة الإسرائيلية من ضعف شديد للشعبية. وعليه، فمن الصعب أن تفتح إسرائيل خط مواجهة مفتوحة مع حزب الله القوي في ظل ما تعاني منه، وأيضا في ظل رفض إدارة بايدن التامة لهذه المواجهة التي ستأتي في سنة انتخابات حاسمة لبايدن. والدليل على ذلك، هو قرار الإدارة الأمريكية بمغادرة حاملة الطائرات «جيرالد فورد» البحر المتوسط، والذي وصف من قبل بعض المحللين، بأنه تخلٍّ واضح من واشنطن عن إسرائيل. وعلى هدى ما سبق، نستخلص أن اندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله سيناريو قائم، لكن ثمة عوامل متعددة ترجح بشكل كبير عدم تنفيذه الآن. وأهمها على الإطلاق، ممانعة واشنطن القوية لتلك المواجهة. وعليه أيضا، فعلى الأرجح أن تستمر حدود التصعيد الحالية بين الحزب وإسرائيل على نفس الوتيرة المستقرة وربما تزيد أو تنقص قليلاً على ضوء التطورات في غزة.