10 سبتمبر 2025

تسجيل

النقطة العمياء !

09 يناير 2023

في القاعدة الفلسفية الأصيلة فإن: (الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره) بمعنى أن حكمك على أي أمر بسوئه أو صلاحه أو قبولك به أو رفضك ناتجٌ عن ما شكلّته داخل عقلك من تصوّرات عنه، وما كوّنته من صورة ذهنية خلقتها في وعيك مما سمعت أو قرأت أو قيل لك عنه. تلك التصوّرات هي القاعدة التي ينطلق الكثير من البشر منها للتداول مع الحياة والناس، وخلق قناعاتهم وتوّجهاتهم وبالتالي انعكاس ذلك على سلوكياتهم وتعاملاتهم.. لذلك فإن التصوّرات التي يُكونها الإنسان وبرمجاته (وبالذات غير الواعية) قد تقوده إلى كوارث على كافة المستويات ! فلنا أن نتخيّل حياة إنسان يظن أن الشر في الناس أصيل والخير فيهم دخيل مثلاً ! أو أن الله يأمر بالتفريق بين عباده على أساس الجنس أو الدين أو اللغة أو الشكل أو النسب..الخ أو يرفض توجه أو مسار معين لأنه قد قيل له أنه حرامٌ ويغضب الله ! أو يرفض عمل ابنته أو زوجته لأنه يتخيل أن بيئة العمل بيئة غير مناسبة للنساء ! يحكم على الأمور بما خلقه في عقله هو تجاهها من تصوّرات، ولم يُكلّف نفسه عناء السؤال والبحث والنظر في المسألة والتريّث في إطلاق الأحكام ! لذلك فليس بمستغرب أننا قد نتكلم في مسألة واحدة في الظاهر، ولكن في حقيقة الأمر فإننا نتحدث عن أمرين مختلفين تماماً بناءً عن تصوّر كل منا عنه. وهذه (نقطة عمياء ) لأنها مغالطة منطقية متكررة الحدوث، وربما كثيرٌ من الناس يغفل عنها لأنه يظن أن ظاهر المسميات تكفي ويغفل عن بواطنها، وهذا ما يترتب عليه فرق شاسع في الفهم واتخاذ المواقف. لذلك فأخذ فسحة قبل تبّني أي موقف، و(الانفتاح) لخلق توّسع لتلك التصوّرات، وتقبّل نقيضها، والتعرّف على جديدها (شجاعة) عقليّة ونفسيّة وروحيّة لا يملكها الجميع، لأنها ستضعهم في اختبار مواجهة مع ذواتهم، وتدفعهم نحو تجربة (الأصالة) بتحمّل مسؤولية انتقاء ما يشبههم.. بل وربما تطلّب منهم هدم بعض ما قضوا زمناً في بنائه باعتباره جزءاً من هوّيتهم ! *لحظة إدراك: حينما تكون غارقاً في المُسلّمات، وتتعامل مع الأمور بما قد قيل لك عنها وما سمعت وما ألفت وما دُربت عليه، فستقع غالباً في فخ الأحكام الخاطئة، وربما يُحيل هذا حياتك إلى زيف، لن تُدركه إلا بعد أن تتخذ مسؤ,لية تكوين صورك الذهنية الخاصة عن أي أمر في الحياة، والغوص في بواطنها ومعانيها ومن ثم تُشكلّ رأيك وموقفك عنه بناءً على بيّنة وإدراك وفهم. غفلتك عن هذه (النقطة العمياء ) من الممكن أن تُحيلك إلى (إمعّة) مُستعبد الفكر والتوّجه، مخطوف الإدراك، وأنت تظن أنك تُحسن صنعاً !