13 سبتمبر 2025
تسجيل7 اقتناص الخبر. ثمة خاصية أخرى تبرز في ثنايا العمل الصحفي، وهي أن يكون الصحفي مقداما، يغامر من أجل اقتناص المعلومة دون خوف من الفشل أو ورطة ما، أو حتى من ردة فعل مهينة من الطرف المقابل، فذلك من صميم العمل فأن تقدّم لا يعني أن تنجح دائما، لكن في حال النجاح تكون قد أنجزت عملا يرضي طموحك المهني، وفي أحسن الحالات تحقق سبقا يلهث وراءه جميع الصحفيين. في الكتاب قصص عن هذه المغامرات التي حققت الهدف الصحفي، وأخرى لم تحقق أهدافها، أو خيّر صاحبها سحب سؤاله خوفا من هجوم مرتقب أو فشل محقق كما كان الأمر في مؤتمر صحفي للحسن الثاني هاجم الصحفيين الذي بادروا بالأسئلة فما كان من صاحبنا إلا أن خيّر مبدأ السلامة على الإقدام واختار عدم إلقاء السؤال حتى لا يعرف مصير من سبقه. لكن الأمر كان مختلفا في التعامل مع المسؤولين العرب الوافدين على تونس في مختلف اجتماعات جامعة الدول العربية حيث تصل الجرأة بالصحفي الى مقاعد الأعضاء بحثا عن وثائق تم إهمالها وأحيانا يكون الصيد ثمينا. أو كما كان الأمر مع طارق عزيز وزير خارجية العراق الذي تفاعل مع جرأة الصحفي الشاب، وتعاطف معه رغم أن مسجله لم يشتغل، ونسي قلمه وأوراقه، فأسعفه بما يلزم لكتابة التصريح في حضرة الأمين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي. 8 التعلّم ومراكمة التجربة. في تحليله لمهنة الصحافة يقول الصحفي الفرنسي الراحل جان دنيال إنها المهنة الوحيدة تقريبا التي يتقاضى صاحبها راتبا من أجل التعلم الدائم، فالمتابعة المستمرة للأحداث، وإعداد البرامج أو المقالات التحليلية، ومواكبة الندوات، وإجراء المقابلات مع سياسيين وعلماء ومفكرين، كلها مجالات لتطوير الوعي والمعارف يوميا بما لا يتوفر في مهنة أخرى. ثمة خليط كميائي ينتج الصحفي الناجح، يتمثل في هذا التعلم المستمر، مع حب المهنة والفطنة في مراكمة التجربة بالاستفادة من تجارب الآخرين لتجاوز ما قد يرتكبه الصحفي من أخطاء أو قصور. والكتاب يرسم جزءا من هذه الكيمياء التي انطلقت من أول عمل في بدّالة صحيفة "لابراس" اليومية التونسية ليوفّر مصاريف دراسته بمعهد الصحافة إلى أن سطع نجمه بقناة الجزيرة، فعلى طول صفحات الكتاب لا يتردد كريشان في ذكر صحفيين تأثر بهم واستفاد من تجاربهم، بل تركوا بصمة في حياته المهنية، من حسيب بن عمار مدير صحيفة الرأي التونسية، الصحيفة الأولى التي عمل بها كريشان، إلى محمد حسنين هيكل، مرورا بسامي حداد أول رئيس تحرير للجزيرة، يبدو واضحا الإعجاب الذي يتحدّث به كريشان عن هيكل مثلا الذي خصص له فصلا كاملا بالكتاب للحديث عن كواليس مقابلاته معه للجزيرة. يعكس هذا الفصل الإعجاب الكبير بهيكل من طريقة اللباس وتناسق الألوان، إلى أسلوبه في التعبير عن أفكاره، والأرشيف الدقيق الذي يملكه. وقدرته على الاستشىراف التي تعدّ موهبة لا يملكها إلا قلة من المحللين. مراكمة التجربة كما وردت عبر محاور الكتاب تبرز أن الجزيرة كانت هي المدرسة الأهم في حياة كريشان فربع قرن من محاكاة تجارب صحفية مختلفة جمعتها غرفة أخبار القناة، وفرص محاورة رؤساء دول وشخصيات من الصف الأول، وتغطية أحداث عالمية هزت العالم كانت كافية لمراكمة التجربة والارتقاء إلى مراحل أخرى في المهنة. ولا يخفى عن قارئ الكتاب أن تلك المراكمة هي التي جعلت كريشان يعامل القناة بالمثل في الدفاع عنها بشراسة وسط هجمات عربية ودولية وصلت حد تفكير جورج بوش الابن في قصف مقر القناة بالدوحة كما أعلم بذلك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، الذي رفض الإفصاح عن ذلك وخيّر تغيير مجرى الحديث حين سأله كريشان عن الموضوع في لقاء بالدوحة جمع بلير بعدد من مسؤولي القناة. فكريشان أورد أكثر من مرة بالكتاب أنه "يدافع عن الجزيرة كأنها ورثة السيد الوالد". فضلا عن التعلم من الجزيرة فإنها وفرت لكريشان فرصا قد لا توفّرها مؤسّسات إعلامية أخرى لذلك تعمّق الارتباط بين الصحفي والقناة، صورة تذكرنا بنماذج صحفية بالعالم ارتبطت مسيرتهم بمؤسساتهم دون انقطاع فزاد ذلك في إشعاعهم، كما عمّق العلاقة مع المتلقين الذين أصبحوا يعتبرون مثل أولئك الصحفيين جزءا من المؤسسة لا يتخيلونها بدونهم. لطفي حجي مدير مكتب قناة الجزيرة في تونس