13 سبتمبر 2025
تسجيل5 الحقيقة وجرأة السؤال الصحفي على امتداد صفحات الكتاب يتطرق كريشان إلى حوارات أجراها مع سياسيين من الصف الأول، رؤساء دول، زعماء حركات تحرر، رؤساء أحزاب، اختلفت مسؤولياتهم ومشاربهم، كما اختلفت مواقيت المقابلات، لكن الثابت فيها هو الأداء الصحفي الذي يسعى إلى كشف الحقيقة، والحصول على معلومات غير مسبوقة تبعد المقابلة عن الرتابة والجفاف، وتكسوها روح إعلامية تشدّ إليها المشاهدين أو المستمعين أو القراء، غير أن ذلك يتطلب أدوات مهنية قوامها المعرفة والجرأة، المعرفة الدقيقة بالشخصية المحاورة حتى لا يفلت من قبضة الصحفي بمعلومات غير صحيحة أو غير مطابقة مع مواقفه المعلنة، أما الجرأة فهي مرتبطة بطرح السؤال دون تواطؤ يحوّل المقابلة إلى مجرّد لقاء علاقات عامة. قد تكون تجربة الجزيرة راكمت الجرأة في صحفييها فأدركوا أن الأسئلة يجب أن تطرح دون خوف، فليس من السهل أن تسأل بشار الأسد عن المعتقلين السياسيين في بلاده، أو أن تسأل ناجي صبري وزير خارجية العراق في أواخر عهد صدام حسين عن المعارضة السياسية، أو أن تطلب من أردوغان أن يختصر أجوبته وهو من تعود على أجوبته الطويلة التي تربك توقيت الحصة وتبعثر أسئلة الصحفي ومنهجيته في الحوار. فكان كريشان يروي في كتابه تفاصيل حوارات مختلفة أجراها وكأنه يعرض قواعد المقابلة الناجحة بأسلوب سردي سلس بعيدا عن أي نزعة تعليمية. 6 الصحفي وعلاقاته لا يمكن لأي صحفي أن يبني مسيرة صحفية ناجحة دون شبكة علاقات واسعة تشكل مصادر أخباره، وتيسر عمله، ويفهم من خلالها التوازنات إن كان في مستوى وطنه أو على المستويين الإقليمي والدولي، وقد نجح كريشان الذي بدأ العمل الصحفي مبكّرا وهو طالب في سنّ العشرين، في نسج شبكة علاقات مهّدت له أرضية عمله لاحقا، نجاح يعود جزء منه إلى حرصه ومثابرته وإصراره، في حين ارتبط الجزء الثاني بظروف موضوعية خدمته، بمجرد شروعه في العمل الصحفي كان نقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس إثر إمضاء الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب دايفد مع إسرائيل، ثم كان بعد سنتين من ذلك قدوم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس بعد خروجها من لبنان، فالحدثان كانا منبعا للأخبار وفرصة للصحفيين لربط علاقات بعد أن تحوّلت تونس إلى مزار دائم للوفود العربية ولمختلف الفصائل الفلسطينية. حدثان غيَّرا مسار كريشان المهني، فوجود الجامعة العربية مكنته كغيره من الصحفيين من فرص مراسلة إذاعات دولية بعد أن أصبحت تونس مصدرا أساسيا للأخبار، في تلك الفترة الساخنة عربيا. أما وجود الفلسطينيين بتونس فقد دفعه للتخصّص في الكتابة عن القضية الفلسطينية كموضوع رئيس ضمن تغطية القضايا العربية التي كانت مجال كتابته في الصحف والمجلات التونسية التي اشتغل بها. اختصاص مهّد له الطريق لإقامة علاقات مع مختلف القيادات الفلسطينية في مقدمتها الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي لم يتردّد في تكريمه بعد نيله جائزة تونسية عن برنامجه الإذاعي «أحداث عربية» الذي كان يعدّه ويقدّمه بالإذاعة الرسمية التونسية، برنامج كانت من أهم عناصر نجاحه تلك العلاقات التي نسجها مع الشخصيات الفلسطينية والعربية التي استضاف عددا كبيرا منها بعد أن كان المستمع التونسي يستمع إليها فقط في الإذاعات الدولية كالبي بي سي، وغيرها من الإذاعات واسعة الانتشار حينها. ستخرج باستنتاج رئيس وأنت تطّلع على طبيعة علاقاته مع مختلف الشخصيات كما صيغت على امتداد صفحات الكتاب مفاده أن الصحفي لا يصبح صحفيا دون علاقات متطورة مع الفاعلين في مختلف الميادين، فلا أسلوب الكتابة ينفع وحده ولا الصوت الإذاعي كاف، ولا الوسامة على الشاشة تشفع لصاحبها لكي يرسم مسارا صحفيا ناجحا إن لم تنضفْ إليها علاقات متينة دائمة. **لطفي حجي (مدير مكتب قناة "الجزيرة" في تونس)