12 سبتمبر 2025
تسجيليمر القطاع الصحي بتحديات دقيقة وحرجة، واختبارات وتجارب صعبة المراس، نحتاج إليها دائماً لإحداث تقييم حقيقي لمنظومات العمل المختلفة في المجتمع ولعلها أحد أوجه الخير الكامنة في جوف هذه الجائحة العنيدة التي تطال بأذرعها الممتدة الشرق والغرب. وربما أبحث اليوم عن إجابة لتساؤل بات يراودني عن كيفية تقييم المؤسسات ومنظومات العمل تقييماً حقيقياً بعيداً عن التجمل والتزين بما ليس واقعاً حقيقياً؟ فقد تكدست الأدراج بتقارير تنطق وتتقول بزخرف الكلام والثناء، حيث تمجد في أداء وجودة الأعمال للمنظمات، وربما دون آثار للصعوبات والعقبات، ولا تبيان للكيفية التي عولجت بها، أو وسائل مواجهتها والتعامل معها، بمعنى آخر إذا أردنا أن نختبر شيئا ما، يجب أن نعرضه للصعوبات والمخاطر التي يُتوقع أن يمر بها، أو من الاحتمال أن تحدث له، حتى يتكشف لنا مدى قدرته على التحمل والصمود، فمثلاً تقاس قدرة الإنسان بوضعه تحت الضغوط حتى يُخرج لنا أفضل ما عنده، وقس على ذلك بقية الأشياء، صغيرةً كانت أم كبيرة، ولا أستثني من ذلك حتى الأفكار، فالفكرة تحتاج إلى مواقف تبرهن على مدى نفعها ومرونتها. إن تعريض بعض المنظومات الخاملة أو ذات النشاط التقدمي المحدود إلى جرعة من الحرتقات المنشطة، يدير فيها ساقية العمل، فتحرك مياهها الراكدة، وتعرضها لشحنة كهربائية عالية القوة، فتنتفض من سباتها العميق، فإذا أردت لشخص ما أن يجري بسرعة عالية ببساطة ضع خلفه كلباً مروعاً ! وحال الكلب هنا كحال المعضلات المعقدة والمستمرة، التي لا ترتق، إلا حين تستنفر لها كل المنظومة، فيغدو عديم الفائدة ناجعاً، ومن يُعد فائضاً فهو أساسي، والمهمش مهماً، وهكذا تغربل الغث من السمين، حيث لا يقدّس الخامل ولا يؤبلس العامل، وإنما المفصل هو العمل ! يذهب ابن خلدون إلى أن «غاية العمران هي الحضارة والترف، وأنه إذا بلغ غايته انقلب إلى فساد» فالترف والكسل والاتكالية أبناء شرعيون للفساد بمختلف أنواعه الشخصي، العملي، الروحي، والمالي.. إلخ، وهذه أمراض يعاني منها المجتمع بوجه عام، وأرى أن أحد أوجه القضاء على هذه الأمراض هو بقاء الفرد في معظم الوقت مشغولاً بعمل وعبادة وغالباً ما نلحظ كيف يكون التصنع والمداجاة، في عمل بعض المنظمات ومنهم الأفراد، إذا ما كلفوا ذات مرة بعمل دقيق وضخم، لإظهار وإبراز الوجه المشرق سواء على مستوى المنظمة أم على مستوى الفرد، لينالوا الرضا والاستحسان، وسرعان ما يسترجعون حقيقتهم عند أول علامة استرخاء، وبينما يعد الاسترخاء مهما جداً للعاملين الدؤوبين الذين لا يملكون الوقت الكثير له، فإنه وبال على من قضى يومه من استرخاء إلى آخر، فالاسترخاء الكثير تعطيل وبلادة !! نحن بحاجة إلى إعادة قولبة شاملة، وتعديل جذري للماعون والعادات التي أفرزت تلك الأمراض، والتصدي لها، فالأمم التي تعتاد الخمول وعدم الجد يسهل التمكن منها، والترف وإن كان دليلاً على التقدم فهو سبب لهلاكها إذا ما أُسيء استخدامه. وقديماً قال المتنبي: عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ نحن نعيش في واقع يقتضي فرض العزائم لندرك أولي العزم والمكارم الحقيقيين، لينالوا ما يستحقون، في زمن وهن فيه العزم وشحت المكارم، نسأل الله الثبات. دمتم بود [email protected]