28 أكتوبر 2025
تسجيلهناك شيء ألاحظه في موضوع الكتابة، وهو تبني إنتاج المبدع ومواقفه، خاصة بعد وفاته، لدى أشخاص لم يعرفوه حيا، ولم يقرأوا أي شيء من مؤلفاته، وربما عرفوه وأساءوا إليه أثناء حياته، وأعرف أشخاصا كثيرين لم يقرأوا للطيب صالح حرفا واحدا ولا كان إبداعه في دائرة اهتمامهم يوما ما، يبكون رحيله، على أن أغرب ما صادفني شخصيا بعد وفاة الطيب، هو أن أحدهم كتب في صحيفة مصرية، مستخدما اسما مستعارا: إنه التقى بي في أحد الأيام، وأهديته نسخة من روايتي: مهر الصياح، طالبا منه أن يدلي برأي نقدي فيها، وفوجئ أثناء قراءتها بأنني نسخت رواية الطيب: موسم الهجرة إلى الشمال، وشوهتها بروايتي مهر الصياح. بديهي أن هذا الناقد المزعوم لم يلتق بي يوما، لأن النقاد الحقيقيين يتركون أسماءهم حرة كما هي ولا يغطونها بنقاب من أي نوع، وبديهي أيضا أنه سمع بوفاة الطيب صالح، أحد أهم كُتَّاب الرواية العربية، وأراد أن يدلي بدلوه، ومنطقي جدا أنه لم يقرأ موسم الهجرة إلى الشمال التي تتحدث عن علاقة الشرق بالغرب، وسفر مصطفى سعيد إلى إنجلترا، وعودته لقرية ود حامد، وما تلي ذلك من أحداث، ولم يقرأ مهر الصياح التي تدور أحداثها في القرن السابع عشر، في منطقة دارفور، وبنيت على مجلس الكوراك أو مجلس الصياح الذي كان وسيلة اتصال الرعية بسلاطينها، وكيف أن ابن صانع طبول فقير حلم بأنه أصبح نائبا للسلطان، وماذا حدث بعد ذلك. إذن العالم تطور كثيرا، وأصبح بالإمكان أن يكتب كل من يملك حتى لو يرقات كتابة ميتة، ما يريده بلا رقابة، ولا مشكلة كبرى، وأن يجد معجبي كتابته، بسهولة شديدة أيضا، فقط هنا تأتي السلبيات التي ما كانت ستنمو وتستمر، لو أن الكلام يحدث في الواقع وأمام الناس. قطعا شارع الإنترنت يتستر على التفاهات التي ربما يفضحها شارع ضيق في حارة واقعية، ولكي نقول إننا استفدنا فعلا من التقنية،علينا أن نطورالشوارع الافتراضية، فلا يختبئ فيها الأذى.