17 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في ميزانية سلطنة عمان للعام 2011

09 يناير 2011

يتوقع أن تساهم ميزانية عمان للسنة المالية 2011 في تكيف السلطنة مع التداعيات السلبية المستمرة للأزمة المالية العالمية. وكانت الأزمة المالية قد تجلت في صيف العام 2008 في خضم معضلة الرهن العقاري في الولايات المتحدة. من جملة الأمور، عززت السلطات المالية العمانية النفقات العامة بنسبة 9 في المائة مقارنة بالأرقام المقدرة أصلا للسنة المالية 2010. وعليه تبلغ قيمة المصروفات العامة للسنة المالية 2011 نحو 21.1 مليار دولار. حقيقة القول، تعتبر الميزانية العامة حيوية في عمان كونها تمثل نحو 30 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة وبالتالي تلعب دورا حيويا بالنسبة لمتغيرات النمو والثقة. قدرت الحكومة الإيرادات بنحو 18.9 مليار دولار للسنة المالية 2011 ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 14 في المائة وهي نفس النسبة المقدرة للسنة المالية 2010. بالمقارنة، تم إعداد إيرادات 2009 بزيادة 4 في المائة مقارنة مع 2008. ويعود ارتفاع الدخل المتوقع لعدة أسباب بينها تنامي الإنتاج النفطي من 760 ألفا يوميا في العام 2008 إلى 810 آلاف يوميا في 2009 وصولا إلى 896 ألف برميل في 2011. وتأتي هذه الزيادة المستمرة كثمار للجهود المبذولة لتعزيز الإنتاج النفطي وتتويجا لمنح امتياز في 2005 لتحالف بقيادة شركة أوكسيدنتال لزيادة إنتاج حقل مخزينة من 10 آلاف برميل يوميا إلى150 ألفا يوميا في غضون خمس سنوات عن طريق استثمار مبلغ قدره مليارا دولار. بيد أنه يتناقض الاندفاع نحو زيادة الإنتاج النفطي مع سياسة التنوع الاقتصادي. يشكل دخل القطاع النفطي أهم إيرادات الخزانة العامة بلا منازع حيث قدرت السلطات مساهمة القطاع النفطي بنحو 76 في المائة من دخل الميزانية العامة للعام 2011 موزعة ما بين 63 في المائة للنفط و13 في المائة للغاز أي نفس النسب للعام 2010. وعلى هذا الأساس، لا يزال الاقتصاد العماني تحت رحمة التطورات في أسواق النفط. لكن تتميز عمان بأنها ليست عضوا في منظمة أوبك وبالتالي غير مطالبة بالالتزام بحصص محددة للإنتاج. لكن يعرف عن عمان تحاشي التصادم مع توجهات أوبك استمرارا للنهج الاقتصادي المحافظ للسلطنة. ويبدو أن عمان مصممة للبقاء خارج أوبك حفاظا على قرارها الاقتصادي. وقد تبنت الجهات الرسمية متوسط سعر للنفط قدره 58 دولارا للبرميل في 2011 مقارنة مع 50 دولارا للبرميل في 2010 فضلا عن 45 دولارا للبرميل في كل من 2009 و2008. ورغم زيادة متوسط السعر لكنه يبقى غير واقعي بالنظر للظروف الحالية حيث تتراوح الأسعار ما بين 85 و90 دولارا للبرميل. بل ليس من المستبعد عبور السعر حاجز 100 دولار للبرميل كدليل على عودة الروح للاقتصادات العالمية بعد الأزمة المالية العالمية فضلا عن متغيرات أخرى مثل الظروف المناخية السيئة في فصل الشتاء حيث وصلت البرودة لمستويات تاريخية في العديد من البلدان. مؤكداً أنه من شأن تبني سياسية مالية محافظة فيما يخص الإيرادات كما هو الحال بالنسبة لمتوسط سعر النفط توفير الأجواء للقضاء على العجز الدفتري. بدورنا نتوقع أن تزيد الإيرادات النفطية بشكل لافت الأمر الذي سوف يسمح بالتكيف مع مسألة العجز بطريقة أو بأخرى.وفي كل الأحوال، نعتقد بأن العجز المتوقع وقدره 2.2 مليار دولار في حدود السيطرة رغم أنه يشكل نحو 12 في المائة من حجم الإيرادات المقدرة فضلا عن 3 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي العماني حوالي 72 مليار دولار حسب مفهوم القوة الشرائية لكن أقل من ذلك بالأسعار الجارية. ويعد مستوى العجز مقبولا في حال كانت عمان عضوا في مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي تم تدشينه في العام 2010 رغم قرار كل من عمان والإمارات بعدم الانضمام إليه. ويتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تشمل ضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة عن 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويفسر الإصرار العماني لعدم الانضمام للمشروع الخليجي الطموح رغبة الاحتفاظ بالاستقلالية المالية الشاملة. مؤكدا، يمكن معالجة العجز عن طريق السحب من الاحتياطي العام والذي تعزز في السنوات القليلة الماضية أي خلال فترة ارتفاع أسعار النفط. ويتمثل الخيار الآخر في الاستفادة من أدوات الدين العام طالما بقيت معدلات الفائدة عند مستوياتها المتدنية تاريخيا. بدورنا نعتقد بأنه لا بأس بوجود العجز بشرط تعزيز النفقات العامة بقصد تحقيق عدة أهداف اقتصادية منها تسجيل نمو متميز للناتج المحلي الإجمالي وبالتالي المساعدة في إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. لا تقل نسبة البطالة في عمان عن 10 في المائة بل مرشحة للنمو في ظل الإحصاءات الديمغرافية والتي تؤكد بأن 42 في المائة من السكان تقل أعمارهم عن 15 سنة. ويتطلب القضاء على هذه الظاهرة تعزيز البيئة التجارية في البلاد عبر تعزيز النفقات العامة وبالتالي تشجيع المستثمرين المحليين والدوليين على الاستثمار في الفرص المتاحة وعليه إيجاد فرص عمل جديدة في البلاد. كما لا تصطدم زيادة المصروفات بمعضلة التضخم بسبب تراجع ظاهرة الأسعار بشكل عام. بالمقابل، كان التضخم العدو الاقتصادي الأبرز حتى النصف الأول من العام 2008 أي قبل بروز الأزمة المالية والتي بدورها غيرت نوعية التحديات حيث أصبح التركيز على تعزيز النفقات العامة. باختصار، نتوقع سنة مالية مريحة لسلطنة عمان في ظل بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا.