16 سبتمبر 2025

تسجيل

عاقل في دنيا مجانين

08 نوفمبر 2012

يحكى في قصة ـ للموعظة ـ أن طاعون الجنون نزل في نهر يسري في مدينة، فصار الناس كلما شرب منهم أحد من النهر يصاب بالجنون، وكان المجانين يجتمعون ويتحدثون بلغة لا يفهمها العقلاء، واجه الملك الطاعون وحارب الجنون.. حتى إذا ما أتى صباح يوم استيقظ الملك وإذا الملكة قد جنت وصارت الملكة تجتمع مع ثلة من المجانين تشتكي من جنون الملك، نادى الملك بالوزير: يا وزير الملكة جنت أين كان الحرس؟ الوزير: قد جن الحرس يا مولاي. الملك: إذن اطلب الطبيب فوراً. الوزير: قد جن الطبيب يا مولاي. الملك: ما هذا، من بقي في هذه المدينة لم يجن؟ رد الوزير: للأسف يا مولاي لم يبق في هذه المدينة أحد لم يجن سوى أنت وأنا!!. الملك: يا الله أأحكم مدينة من المجانين؟. الوزير: عذراً يا مولاي، فان المجانين يدعون أنهم هم العقلاء. ويدعون بأنه لا يوجد في هذه المدينة مجنون سوى أنت وأنا!!. الملك: ما هذا الهراء! هم من شرب من النهر وبالتالي هم من أصابهم الجنون، الوزير: الحقيقة يا مولاي أنهم يقولون: إنهم شربوا من النهر لكي يتجنبوا الجنون، لذا فإننا مجنونان لأننا لم نشرب.. ما نحن يا مولاي إلا حبتا رمل الآن، هم الأغلبية.. هم من يملكون الحق والعدل والفضيلة، هم الآن من يضعون الحد الفاصل بين العقل والجنون. هنا قال الملك: يا وزير أغدق علي بكأس من نهر الجنون.. إن الجنون أن تظل عاقلاً في دنيا المجانين. عندما تختلف قناعات أحدنا عن قناعات الآخرين من حولنا، وعندما نمتلك نظرة عالية وبصيرة مميزة عن الغير، هنا يظهر هذا الإحساس، ويبدأ صراع العاقل وسط المجانين، ونبدأ بالشعور بأننا مختلفين، ولكن من منا على صواب؟.. هل سبق وشعرنا بهذا الشعور الذي يلفه الاضطراب والضياع؟ حين نكون بداية على يقين تام، بأننا على صواب وبأننا مميزون عن الآخرين، وبأن الله تعالى قد حبانا بالعقل الراجح وبالقدرة الكبيرة على التفكير الإيجابي والهمة العالية، واتخاذ القرارات السليمة، والخطواب المحسوبة التي لا تؤدي إلا للنجاح والارتقاء.. ولكن بعد أن نواجه رياح الاعتراض العاتية من جميع من حولنا، ويصبح الاستنكار والاستهجان لغة سائدة لكل من نعرفه ونتعامل معه، وتتكرر على مسامعنا تلك الجملة المقيتة: "هل يعقل أن يكون الكل على خطأ وأنت وحدك على صواب؟" هنا يبدأ الصراع في نفوسنا، ونبدأ بالتساؤل هل أنا عاقل وسط مجانين؟ وهل جاء الوقت لأشرب من نهر الجنون لأصبح مثل غيري؟ أم خير لي أن أحتفظ بعقلي وأعاني وسطهم؟ أنا واثقة من أن كثيراً منا قد مر بهذا الأحساس، خاصة مع اختلاف القيم والمعايير والتسارع المخيف للتطور واختلاف ما كان يسمى بالثوابت والمقاييس. ولكن هناك ما يمكننا اللجوء إليه حين نصاب بهذه الحالة الحرجة، وهو أن نقرب القياس على ما شرعه الله تعالى لنا، ثم على العادات والتقاليد والأعراف، وإن وجدنا أن ما نراه ونظنه مطابق لذلك، فالأفضل لنا حينها أن نبقى ذلك العاقل وسط المجانين. ومضة: غاليليو الذي أثبت أن الأرض كروية لم يصدقه أحد وسجن حتى مات، وبعد 350 سنة من موته اكتشف العالم أن الأرض كروية بالفعل، وأن غاليليو كان العاقل الوحيد في هذا العالم في ذلك الوقت.. لذلك إن كنت تؤمن أنك على حق وجميع من حولك يعارضك فلا تستسلم، فقد تثبت الأيام والأحداث غير ذلك.. والأفضل لك أن تبقى عاقلاً وحدك بدلاً من أن تكون مجنوناً مع الناس.