17 سبتمبر 2025
تسجيلروج الغرب لمفهوم التقدم المادي، وتفاخر بناطحات السحاب، ووسائل المواصلات السريعة، التي تحقق حياة مرفهة لنسبة قليلة من الذين جمعوا الثروة مع السلطة، فأداروا حركة الأموال عبر العالم. وانبهرت الكثير من شعوب العالم بهذا التقدم المادي، ولم تدرك أن المستعمرين والطغاة بنوه بالثروات التي نهبوها من افريقيا وآسيا، وأن ذلك التقدم المادي الغربي كان سببا في بؤس الشعوب وفقرها وعذابها وقهرها. إن التقدم المادي يمكن أن يكون دليلا على جريمة ضد الإنسانية، فباريس التي تبدو مثالا لهذا التقدم، والتي انبهرت بها النخبة العربية المتغربة تم بناؤها بالثروات التي تم نهبها من الجزائر والمغرب ومالي وبلاد افريقيا، إنه تقدم مغموس بالدم، وسوف تحاسب شعوب افريقيا يوما فرنسا على جرائمها. وهذا التقدم المادي يمكن أن يشكل عارا لدولة تبنيه بافقار شعبها، واغراقه في الديون، وانتهاك حقوق الانسان وفرض الديكتاتورية وتقييد الحرية، وعدم احترام الكرامة الانسانية. وهناك الكثير من عمليات التضليل والتجهيل التي تتعرض لها الشعوب، باستخدام تجارب لدول حققت التقدم المادي مثل الصين، فهذا التقدم تحقق بعد أن مات 25 مليونا من الجوع، لكن الحقيقة أن الصين لم تحقق تقدما إلا بعد أن تخلت عن تجربة ماوتسي تونج، وسارت في طريق جديد، وأصلحت نظمها التعليمية لتحفز الناس على انتاج الأفكار الجديدة. وبسبب فقر الفكر وانغلاق العقول وضيق الأفق يتم الاشارة الى تجارب من دول مختلفة، دون تجديد أوابتكار، أو ابداع، ويتم استخدام القوة المادية باعتبارها المقياس الذي يستخدم في تضليل الجماهير. إن التقدم المادي الذي يتمثل في المباني شاحقة الارتفاع لا يصمد أمام زلزال أو اعصار فينهار، ويظل الملايين من الناس يعانون الجوع والفقر، ويملأ السخط قلوبهم على هذا التقدم المادي وعلى من قاموا بانجازه. العالم يحتاج إلى نموذج جديد للتقدم، وإلى مقاييس جديدة للحضارة والقوة والسيادة، والحضارة الاسلامية هي التي يمكن ان تفتح أمام الدول آفاقا جديدة لبناء تقدم حقيقي.. فالاسلام أعلى قيمة الحياة الانسانية، وعمل لحماية عقل الانسان ودينه وعرضه وماله وحرمة جسده وكرامته وحقوقه وحريته، فانطلق المؤمنون في الأرض يبنون حضارة عظيمة، وينتجون أفكارا جديدة لبناء تقدم علمي. في المدينة المنورة – أول عاصمة للحضارة الاسلامية – أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مجتمع معرفة في التاريخ تعلم فيه 120 الفا من أصحاب رسول الله كيف يكسبون العقول والقلوب، وينشرون نور المعرفة في العالم، ويبنون أعظم حضارة عرفتها الانسانية ؛ ثم أقام المسلمون الكثير من العواصم في دمشق وبغداد وغرناطة، فأشرق نور المعرفة على العالم من هذه العواصم التي تجمع فيها العلماء والأدباء والوراقون والناسخون..ووضع المسلمون قواعد وأحكام وأخلاقيات للتجارة، فازدهر الاقتصاد، وتمتع الناس بالثراء، فأقاموا منازل جميلة تحيط بها الحدائق، وتفاخر الناس بالمكتبات، وبالمنتديات العلمية والثقافية التي أقاموها في بيوتهم. وأهم ما ميز الحضارة الاسلامية أن كل انسان كان يشعر بأنه سيد له كل الحقوق في حضارة تحترم حريته ومكانته الاجتماعية، وحقوقه في السفر والاقامة والحصول على العلم،والاتصال بالناس والتعبير عن رأيه،ونقل المعرفة للآخرين. هذا هو التقدم الحقيقي الذي يجب أن تنطلق العقول المؤمنة لتحقيقه في عالم يوشك أن ينهار بسبب الفقر الذي يعاني منه 80 % من البشر. والأمة الاسلامية تستطيع أن تقيم عواصم جديدة على أساس المعرفة، وتكون المدارس والجامعات أهم معالمها، لتنطلق منها أفكار جديدة لتوظيف ثروات الأمة في انتاج صناعي يشكل اقتصاد الغنى والثراء، وفي أرضنا الكثير من الثروات، لكنها تحتاج إلى خيال العلماء الثوار للبحث عنها وتصنيعها. إن بناء الحضارة الاسلامية الجديدة يحتاج إلى دراسة متعمقة للحياة في عاصمتها الأولى المدينة النورة، لنحقق الشورى ونحمي حق الانسان في التعليم والمعرفة، فهذا الحق هو أساس الكرامة الانسانية.