21 سبتمبر 2025

تسجيل

الانقسام الداخلي الأمريكي يهدد نموذجها وزعامتها العالمية

08 أكتوبر 2023

لم يبدأ تراجع دور وحضور الولايات المتحدة في عهد ترامب، كما يظن الكثيرون، بل تراجع النفوذ والحضور الأمريكي منذ الحرب الكورية، والخسارة والانسحاب من فيتنام-ومواجهات غير متناظرة من تنظيمات مصنفة إرهابية-(القاعدة وطالبان وداعش وغيرها) تحت يافطة الحرب الدائمة على الإرهاب بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001-من تنظيم القاعدة-تنظيم غير دولة (NON STATE ACTOR) وحروب أفغانستان والعراق الدامية والمكلفة التي هزت صورة ومكانة أمريكا القوة العظمى العاجزة عن تحقيق انتصارات وهزيمة تنظيمات تصنفها إرهابية. وبرز لاحقاً تحدي أمريكا من قوى صاعدة ككوريا الشمالية وإيران تسارع في عهد الرئيس دونالد ترامب غير التقليدي ومن خارج مؤسسة الحكم التقليدية والدولة العميقة التي تحكم أمريكا. بعد صياغة الولايات المتحدة الأمريكية نظام العالم في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتشكيلها النظام العالمي الجديد بمؤسساتها السياسية (الأمم المتحدة) والاقتصادية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولاحقاً منظمة التجارة العالمية والمؤسسات والمنظمات الدولية بقيادة الغرب) والعسكرية (حلف الناتو الذراع العسكري للغرب في الحرب الباردة 1947-1991) بقيادة الولايات المتحدة. حتى سمي النصف الثاني من القرن العشرين-القرن الأمريكي. وسارعت الولايات المتحدة لإعادة بناء أوروبا بمشروع مارشال-ما كرس زعامتها على الغرب. ليطلق على الصعود الأمريكي المذهل «قائدة العالم الحر» في تصنيف عنصري بدلالات أن بقية العالم وخاصة بقيادة الاتحاد السوفيتي هو عالم غير حر، وبقية العالم دول العالم الثالث. ووصل الأمر بوصف النصف الثاني من القرن العشرين-القرن الأمريكي. وهكذا جمعت الولايات المتحدة أكبر أرصدة في مجالات النفوذ السياسي والاقتصادي لأكبر اقتصاد في العالم يتجاوز 25% من الاقتصاد العالمي لشعب لا يتجاوز 4% من شعوب العالم،وقوة عسكرية وانفاق تسلح هو الأعلى في العالم-وقدرات ونفوذ وتمدد ثقافي من جامعات هي الأهم في العالم وصناعة التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي والرياضة وحصد أكبر عدد من الميداليات الذهبية من أي دولة في العالم الفوز بجوائز نوبل والترفيه وأفلام هوليوود والمسلسلات والابتكارات وجميع وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها التي غزت العالم بما فيها أول أجهزة ذكية. لتسيطر وتقود النظام العالمي بأحادية قطبية مطلقة-تكرس هيمنتها على النظام العالمي بجميع النواحي والأبعاد. لكن حال أمريكا اليوم صاحبة أكبر اقتصاد وأكبر ميزانية دفاع وأبحاث وتطوير في العالم، يذكر بواقع حال جميع الامبراطوريات التي نهضت وازدهرت وتمددت وقويت وتقوت واستعمرت ونهبت خيرات وثروات الكيانات والدول والشعوب الفقيرة والضعيفة، ثم تراجعت وهوت.. وهذه سنة الحياة وفيها دروس وعِبر، كحال الامبراطوريات البريطانية والاسبانية والبرتغالية والفرنسية وغيرها. خاصة بانقسامات الداخل وبروز منافسون (الصين وروسيا وقوى إقليمية صاعدة) يتحدون زعامة وتفرد وهيمنة الإمبراطورية الأمريكية ولا يخجلون من الإعلان عن تصميمهم على انهاء النظام العالمي الأحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب وتحالفاتها مع القوى في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ-بتحالفات –QUAD-AUKUS- IMEC-I2U2وغيرها لحصار الصين ومجموعة بريكس بقيادة الصين وروسيا-ومواجهة وضمان هزيمة روسيا الاستراتيجية وليس العسكرية فقط في أوكرانيا وأوروبا. لكن الخطر والتهديد الأكبر كما بات واضحاً، في الداخل والصراع الداخلي بين القوى والتوجهات السياسية داخل النظام السياسي،لا يقتصر على الصراع بين الدولة العميقة والقوى التي تسعى لتهميشها بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب وجماعته من المحافظين المتشددين MAGA REPULICANS-في خرقه للدستور والقانون ورفضه الإقرار بهزيمته وتأليب جماعته والرأي العام الأمريكي المنقسم. ما يطعن وينزع الصورة البراقة التي روجتها أمريكا على مدى عقود بتفوق ومزايا النظام الديمقراطي واستقراره ونموذجه الملهم لشعوب وأنظمة العالم بالمساءلة والمحاسبة ومحاكمة رئيس أمريكا واجباره على الاستقالة كحال الرئيس نيكسون بإذلال قبل 50 عاماً-ومحاكمة كلينتون بعد فضيحة لوينسكي قبل ربع قرن. وتوجيه 4 تهم جنائية لترامب، بمجمل 91 تهمة،تهمة بشكل غير مسبوق، ومحاكمتين لعزله أثناء رئاسته بل محاكمة نجل الرئيس بايدن-هانتر على تجاوزات وخرق القوانين والتكسب غير الشرعي. ووصل الأمر بالجناح المتشدد داخل الحزب الجمهوري الموالين لترامب-للدفع بشل النظام السياسي الأمريكي بخضوع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين ماكارثي الذي دخل التاريخ-أول رئيس مجلس نواب يعزل من منصبه بتصويت من أعضاء حزبه والديمقراطيين بعدما رضخ وتحول لرهينة بيد الجناح اليميني المتشدد الموالي لترامب. في دراما سياسية غير مسبوقة،صدمت الأمريكيين والعالم والمعجبين بالنظام الأمريكي. والصدمة الكبرى لم تعد أمريكا بعد خسائرها وانسحاباتها من أفغانستان والعراق وتراجعها وانكفائها في الخليج العربي وعجزها عن تحقيق أهدافها بكلفة معقولة حول العالم-النموذج الملهم والناجح والمقنع-بل تبدو رهينة للصراعات والخلافات الحادة التي تفقدها دورها القيادي وتجرؤ قوى مختلفة القدرات من الصين وروسيا إلى كوريا الشمالية وإيران والمكسيك الذي يغرق الحدود الجنوبية الأمريكية بالمهاجرين غير الشرعيين من أمريكا اللاتينية والكاريبي ومن حول العالم-حتى تم إعلان حالة الطوارئ في جنوب ولاية تكساس التي لم تعد قادرة على استيعاب موجات المهاجرين غير الشرعيين وترسلهم لمدن مثل نيويورك وشيكاغو وغيرها من مدن أمريكا الكبرى. وهناك الصراع حول تفشي ظاهرة المخدرات القاتلة ووفاة أكثر من 100 ألف العام الماضي من جرعات مخدرات زائدة! وانهيار البنية التحتية!-وتفشي ظاهرة خطيرة باقتحام المتاجر الكبيرة وسرقتها نهاراً وليلاً، يرافقه تراخي الشرطة عن فرض الأمن، خاصة في ولاية كاليفورنيا-وتمدد الظاهرة لبقية المدن، ما يؤدي للإفلاس! جميع تلك الظواهر والوقائع تقوّض الأمن والاستقرار في الداخل الأمريكي بين فئاته المتصارعة-ويكشف ما يُعرف في أمريكا بتمرد وإساءة استغلال قوة «طغيان واستبداد الأقلية»-بفرض مواقفها وشروطها ومواقفها المتشددة، وتوظيفها في معادلة صفرية-لا رابح فيها. ما يكرس انسداد أفق الداخل، ويعطي صورة سلبية للعالم، عن تراجع ديمقراطية ومكانة ونموذج الولايات المتحدة ومستقبلها.