27 أكتوبر 2025

تسجيل

تاريخ

08 أكتوبر 2018

يلاحظ كثيرون، أنني مغرم بالكتابة في حقب تاريخية بعيدة، حقب قد تكون جرت فيها أحداث غير معروفة للناس، أو لم تجر فيها أي أحداث على الإطلاق، لكن البيئة كانت موجودة، والجغرافيا كانت موجودة، وكان ثمة ما يمكن حدوثه بالفعل. في الحقيقة، الكتابة هنا، أي في تلك الأزمنة غير المعروفة، ليست تاريخا موثقا كما قد يظن البعض، أنا لا أكتب أبطالا منتصرين، وخونة خاسرين، أو معارك بأسمائها دارت هناك. الذي يحدث أنني أدرس الحقبة الزمانية التي أريد لنصي أن يجري فيها، أدرس المجتمع آنذاك، وما كان متوافرا من نهج اقتصادي وسياسي واجتماعي، وحتى شكل المساكن والأسواق، واللغة التي كانت تجرى بها الحوارات آنذاك، وربما نظام الحكم، ونظام إرضاء الجماهير أو قهرهم، ثم أكتب نصي المتخيل. ببساطة أنا أتخيل التاريخ، ولا أوثق لتاريخ حقيقي. لقد فعلت ذلك في عدة أعمال مثل مهر الصياح، وتوترات القبطي، وزهور تأكلها النار، وروايتي الصادرة حديثا: جزء مؤلم من حكاية. من ناحية أخرى، هناك من يكتبون روايات عن تاريخ معروف وموثق في الكتب، وهذه هي الكتابة السائدة لدى كثير من الكتاب، بمعنى أنهم يدرسون التاريخ بنية تحويل المعطيات إلى عمل أدبي. لكن الكاتب في هذه الحالة، لا يحق له أن يغير شيئا.. قد يضيف بعض الجوانب الإنسانية الخافية، أو يتخيلها، لكن لا يمكن تعديل المصير. إذا كان أحد قادة الحرب المشهورين، مات في معركة وثقها التاريخ، فلابد أن يموت في المعركة نفسها داخل النص، فالذي يكتب رواية مثلا عن بطلنا القومي: عبد القادر ود حبوبة زعيم ثورة الحلاويين في منطقة الجزيرة، ضد الإنجليز، ربما يتخيل جوانب من حياته، لكن ستكون النهاية كما وردت. لذلك تجدني لا أكتب عن شخوص واقعيين، ذلك لا يتفق مع اعتمادي على الخيال بشكل كبير. سؤال هنا: هل تعتبر الرواية التاريخية وثيقة لقراءة التاريخ؟ في بعض الأحيان، نعم، حين تكتب عن شخصية رائدة أو حقيقية، وكما قلت كثيرا، فإنه لا مصلحة للروائي في تزييف التاريخ. هو يكتب من منطلق إبداعي نزيه إلى حد ما.