12 سبتمبر 2025

تسجيل

نص

08 أكتوبر 2012

انتبهت حورية إلى عروقه المجلجلة في عنقه، وآثار مرض الإكزيما على يديه وساقيه العاريتين، حتى الركبة، انتبهت إلى عينيه الممتلئتين بنوازع العلة والذهول، وقميص سجنه الدمور الذي يحمل رقما فظا. انتبهت إلى حسنات ربما تكمن في عيوبه الجلية، وسعاله الذي كان كسعال مصابي سل الرئة، وأيقنت بيقين المتمكنات من اليقين، أنها منحت فرصة العمر أخيرا، لامتلاك خادم يتيم معتوه، جبار، وطويل النظر إلى أبعد مستوى. وقفت وسط حشد المزارعين الفقراء فقيرة مثلهم، وسعت أذنيها، تستمع إلى مواصفات البؤس في إفريقيا، كما كان يوصف، ومأساة العالم الثالث، غير المتحضر، كما كانت توصف، وتنفست بأنفاس حارة، كان يتنفس بها الآخرون. وحين فرغ الغشيم من خطبته، صفقت بحماس، رققت صوتها إلى أبعد حد، نادته: يا غشيم. جاءها على الفور، مثل ومضة من لهب حي، كان يقهقه ويبكي في الوقت نفسه، تتساقط نظراته على الأرض، وترتفع إلى السماء، وتستقيم على خط الأفق، لتمتص غبار الشوارع. كان جائعا بحق، ويابس الفم بشدة، تقرقر الحموضة في ثلثي معدته، وتسعل مصارين الجوع في بطنه، بذلك السعال الشحاذ، أخذته إلى بيتها، أجلسته على حصير أخضر من سعف الدوم، كان ممددا في بيتها، أطعمته من فطائر اللحم، والبيض المهروس بالصلصة، وشرائح البطاطا المقلية في زيت عباد الشمس، وأعانت عصارته الهاضمة، التي لم تصادف شبعا مثل هذا، منذ زمن، بشاي أسود. كان الغشيم يأكل مثل جرذ، كانت عيناه صغيرتين ومضطربتين ومتجاوزتين للحد المعقول من التماسك، ترعيان في بيت الحضرمية بلا هدف، وكان جسده الذي تهتك من ضغط الحبال وضراوة التعذيب في السجن، يرتعش بين حين وآخر. وحين فرغ من آخر قطرة مرة من الشاي الأسود، تجشأ تجشؤا كاملا، كلمها بلسانه المريض، لأول مرة منذ تبعها في الطريق، ولقبها بلقب هائل تحول بمرور الأيام إلى لقبها الدائم، في لسانه بعد كل طعام مشبع. قال: - شكرا يا عمتي شجرة الدر.  كانت قد ابتسمت بالفعل، محتفية باللقب، رغم أنها لم تفهمه، لا تعرف مغزاه، وسعيدة أنها أشبعت جائعا مضطربا من دون خوف، ضحكت بالفعل حين نهض الغشيم، ينقر على بطنه من الشبع، شد الحصير الأخضر، لعب به، وحوله إلى شكل مركب، ثم دوره وحوله إلى شكل أسطوانة، ثم حمل أطباق العشاء الفارغة حملا قاسيا، خشنا، ذهب بها إلى حوش البيت، غسلها بالليف والصابون ولمعها بسائل فيري، وهو يردد: قاهر الدهون العصري، ومضى بها أخيرا إلى حبل للغسيل في فناء البيت، علقها من أطرافها النحاسية وعاد متأرجحا إلى الداخل.