11 سبتمبر 2025

تسجيل

دَقةٌ بِدَقة

08 سبتمبر 2020

قصة وقعت في سالف الزمان في بلاد الشام تحمل في طياتها العبرة وتدعو إلى التفكر والتأمل. كانت هُناك فتاة تسكن مع والدها العجوز وأخيها الشاب، وكان يتردد على منزلهم بين فترة وأُخرى رجلٌ يُسمى بالسقاي وهو من يحمل الماء إلى المنازل بناءً على حاجة كل منزل، رغب الأخ الشاب في توسيع تجارته وتطلب ذلك قيامه بالسفر إلى بلاد أُخرى، فأوصاه الأب بمخافة الله عز وجل في ترحاله وفي تجارته، فمضى الشاب في رحلته وبتوفيق من الله نجح في تجارته؛ وبهذه المناسبة قامت المرأة التي شاركته تجارته بدعوته إلى العشاء للاحتفال، فأغوى الشيطان ذلك الشاب وسولت له نفسه أن يتقرب من المرأة فتهجم عليها وتمكن من الحصول على بعض القبلات قبل أن يفر هارباً من مقاومة المرأة واستنجادها !. عاد الشاب إلى وطنه، فاستقبله الأب وسأله مباشرة هل عملت بالوصية التي أوصيتك بها ! فأجاب الشاب: نعم. فكرر الأب السؤال هل عملت بما أوصيتك به بترحالك ! ومع إصرار الأب اعترف الشاب لأبيه بفعلته وحكى له ما حدث ! فحدثه الأب بما حدث مع الساقي الذي يأتي إليهم بالماء والذي هو على معرفةٍ به مُنذُ زمن بعيد. فقال أتى الساقي ليسقي الماء وأختك كعادتها تأخذ منه الماء من خلف الباب، ولكن في أحد الأيام هجم الساقي عليها وحاول تقبيلها فعندما قاومته واستنجدت هرب الساقي ! فهذه فعلتك التي فعلت ! فقال الأب للابن هذه المقولة القاسية والمرعبة ! " دَقَةٌ بِدقة، لئن زِدت َ، لزاد السقا " أي إذا كنت تمكنت من المرأة وفعلت المزيد لكان الساقي تمكن من أختك واستطاع أن يفعل أكثر مما فعل !. إن ما نراه اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي من قذف المُحصنات لشىء تقشعر منه الأبدان ! من التجرؤ على شرع الله في التمادي والتعدي بكلمات القذف والتشكيك بالسمعة لمُجرد الخلاف !. وأصبح الكثير ممن لا ينتهجون منهج الرأي والرأي الآخر يملأون تلك المواقع ! والخطر في هذا الأمر شيوعه وتكراره، مما قد يصبح مع الوقت عادة وشيئاً لا يتم إنكاره من الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل قد ينتهج هذا النهج المراهقون ومن لديه ضعف الحجة في النقاش، ويتوغل هذا الأمر تدريجياً إلى مجتمعاتنا !. ومُتحدثو الأعراض يظنون أنهم يحسنون عملاً! وأن الربح في زيادة عدد المُتابعين وإرضاء من يدعمونهم واسكات المُخالف بهذه الطريقة نجاحٌ وانتصار لهم! ولا يعلم قاذف العرض عاقبة أمره، بل قد يأخذ ذلك العبث مأخذ لهو الحديث ! وظن أن التخفي خلف شاشة هاتفه تجعله في مأمن من العقوبة وانه يُعتبر شخصا مجهول الهوية !. فكم يعترينا الخجل والأسف بما نراه من بعض شبابنا المسلم الذي لا يمنعه دينه ولا تمنعه مروءته من التعرض للنساء والخوض " تسلية " في أعراضهن ! وكم يؤسفنا أن هُناك بعض المُستمعين من تقع تلك الكلمات على مسامعهم ويطبق الصمت المُطلق أفواههم !. فهؤلاء في غفلة وفي مصيبة عظمى، ومنهم من يصل إلى مرحلة يصلون بها إلى أن تأخُذهم العزة بالأثم لدى النصح، بل الأدهى قد يُسيئون لك؛ لأنك قمت بنصحهم ! فوجب على أولياء الأمور تحذير أبنائهم وتوعيتهم لخطورة هذا الأمر والانجراف خلف هذا الفعل المُخجل والعظيم، كما لا يجب منع الأبناء من المناقشات التي تحدث في مواقع التواصل الاجتماعي والحياة عامة والآراء التي تُطرح حتى مع مُخالفيهم وأن أساءوا الأدب وتطاولوا والعمل على تربيتهم على ثقافة مناقشة مخالفيهم واسكاتهم بأدب الحوار !. كما يجب علينا نحن جميعاً رجالاً ونساءً عدم الاستهانة وعدم تقبُل الانصات لقاذفي الأعراض، والسماح لهم في الخوض في هذه الأمور عند مجالستنا، فاما النصح فإن لم ينفع فالإسكات فإن لم ينفع وجب مغادرة مجالسة هذا الشخص ! وليعلم قاذفو الأعراض أن الكلمات التي تُكتب هي كالفعل الذي يُفعل وأن ما تكتبه أيديهم وما تتحدث به ألسنتهم ليست مُجرد حروف عبثية بل هو أمرٌ عظيم ووقعه عليهم سيكون أعظم !. أخيراً نختم بحديث الصادق الأمين نبينا محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم «يا مَعشرَ مَن أسلمَ بلِسانِهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قَلبِهِ، لاَ تؤذوا المسلِمينَ ولاَ تعيِّروهم ولاَ تتَّبعوا عَوراتِهِم، فإنَّهُ مَن يتبِّعُ عورةَ أخيهِ المسلمِ تَتبَّعَ اللَّهُ عورتَهُ، ومَن يتبِّعِ اللَّهُ عورتَهُ يفضَحْهُ ولَو في جَوفِ رَحلِهِ» (صحيح الترمذي:2032). bosuodaa@