11 سبتمبر 2025

تسجيل

ملحمة أم غنيمة؟

08 يوليو 2024

أراد المسلمون في بدر أمرا وأراد الله غيره، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، هذا ما سجله القرآن في سورة الأنفال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ). لقد أرادها الله ملحمة لا غنيمة؛ ليحق الحق ويثبته، ويبطل الباطل ويزهقه، ويتخذ من المجاهدين شهداء يرفعهم بها. فأين ما أراده المسلمون مما أراده الله لهم؟ لو كانت ذات الشوكة لهم؛ لما كانت إلا قصة غنيمة وفقط! لكن (واقعة بدر) شأن آخر! نصر حاسم وفرقان ظاهر، وخلود دائم. تكررت تلك الواقعة عبر عشرات القصص لتؤسس لهذا المعنى، فالحق منتصر ولو بعد حين. من تلك الأمثلة ما كان يوم الأحزاب حين حوصرت المدينة بعشرة آلاف مقاتل مشرك من قريش وغطفان وبني سليم وغيرهم، وكان الصحابة ثلاثة آلاف لا أكثر. معركة غير متكافئة لا في عتاد ولا عدد، فكان شأن بعض المتأسلمين حاضرا وسؤالهم قائما: لم يدخل هؤلاء حربا مع عدو أكبر حجما منهم؟! وكأن العدو ليس في ديارنا؟! وكأنهم ليسوا محتلين باغين! حوصر النبي وأصحابه شهرا كاملا، والشدة تزداد يوما بعد يوم، ومعسكر التخذيل لا يترك مجالا للتفاصح إلا وبرز، حتى كانت المصيبة الأدهى؛ خيانة يهود بني قريظة في الجنوب الشرقي للمدينة، وتلك خيانة شديدة الخطورة عميقة الأثر! التقى حيي بن أخطب بزعيم بني قريظة كعب بن أسد، واتفقا على الغدر، ليس فقط بفتح باب للمشركين لدخول المدينة، بل ولتجهيز فرق عسكرية تقاتل معهم {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}. كان زلزالا مقصودا بل ومرادا؛ فالنصر يسبقه تنقية الصف المسلم من المنافقين فيه، لذا بدأ التسرب العملي {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} بعدها كان النصر بحبل من الناس وحبل من الله. - نعيم بن مسعود يسلم فجأة ويخبر النبي أنه يريد الإعانة، فيقول له: «إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ». يذهب- مخفيا إسلامه- إلى بني قريظة محذرا من خطورة التحالف، فيسألون: ما العمل؟ فيقول: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. ثم يذهب إلى قريش قائلا: إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمدٍ وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم! نجحت خطته ودبت الفرقة بين الفريقين، وكان هذا أول الفرج. ثم جاء الحبل الثاني: ريح شديدة قاسية لم تترك في معسكر أهل الكفر خيمة إلا اقتلعتها، ولا قِدرًا إلا قلبته، ولا نارًا لهم إلا أطفأتها! حتى اندحروا وعادوا. كان يمكن أن يسلم نعيم أول الحرب، وأن تأتي الريح من اليوم الأول، لكنها إرادة الله يمتحن بها الناس، فيميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق. حال الأحزاب ليس بعيدا عنه حال أهلنا في غزة، امتحان للجميع ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة، والله ناصر دينه ولو كره الكافرون.