10 سبتمبر 2025

تسجيل

أهزوجة ( الأَبيَضِ ) في حضرة السلام

08 يوليو 2018

سلام الجنوب الذي انطلق من الخرطوم هو سياقٌ موضوعيٌّ تماماً كمثل وقار النيل الأبيض ينساب طوعاً من الجنوب نحو الخرطوم . وفي السودان نطلق عليه ( بحر أبيض ) تيمناً وحسن فألٍ مغروسٍ في أعماق البحيرة الأم . ومن هناك من شط البحيرة قدم الرئيس اليوغندي موسفني يحمل تعضيد دول البحيرات وثقتها في السودان وسيطاً.. تدلهم الخطوب لكن البياض يخترق قطع الليل وهكذا عودنا النهر الوقور بخطوه الوئيد وفيوضه الرحيبة  . فيوضٌ يألفها أهل ولايةٍ اتخذت من اسمه فألها الحسن .  وذات ليلٍ عندما دهمت أهل الجنوب ( أم قشعم ) ، وقف العالم غير مصدِّقٍ وولاية النيل الأبيض تستنهض الهمم .. تفتح ذراعيها ، وسلال غلالها ، وأحضان إنسانها لأبناء الجنوب القادمين من أحراش الموت . اندهش العالم والولاية السودانية المتاخمة للجنوب تقرر أن السودان يبقى هو السودان يقبل من أَمَّهُ راهباً أو راغباً، يقبل بأهل الجنوب لخلة السماحة المركوزة في جينة تكوينه . هو الأبيض يحكي قصة الثقة والأهلية والمصداقية التي أهلت السودان لتحمل مسئولية سلام الجنوب .. يحكيها عبر الريث المهيب وفيوض الخير التي ألفتها كوستي وعبرت عنها الأزاهير الصفراء الفاقع لونها على ضفته عند كبري الدويم . وهي ذات القصة التي شهدتها بحيرة فكتوريا ومشى بها الجنرال لازاراس سيمبويو وتابعها بشغفٍ وزير خارجية كينيا الأسبق مسايوكا.. قصة مصداقية السودان وإعلائه للسلام كقيمةٍ لا يقتلها الغرض .. ويومها شككوا .. تشكك بعض الغرب .. تشكك الكاتب بريندر غاست ، وتشكك السيناتور فرانك وولف قطبا الرحى في مباغضة بلادنا .. أوحى لهم بعض المغيبين في منافي الغياب مابين لعب الورق وإدمان العرق أن الحكم لن يوقع سلاماً وإنما يراوغ لكسب الزمن . ثم أن البحيرة المعطاء وخطو النهر المهيب شهدا مهر الاتفاقية وشهدها العالم لتمزق فاتورة حرب الخمسين عاماً .. ثم لما استجاب السودان لألح حقوق الإنسان أن يقرر الجنوب مصيره روَّجوا أن الخرطوم لا تفي بالعهود بيد أن السودان خذَّل أوهامهم بنفاذ الاتفاقية نصاً وروحاً ، لكنهم وهم سادرون في خداع الذات قرروا أن فرَّط في الوحدة ، وكأنهم يلغون رغبات ما يقارب 99% من أهل الجنوب صوتوا للانفصال ! .. تناقضٌ مريعٌ وأنت ترى من يدعي الحرص على حقوق الإنسان يسفه رأي مثل هذه الأغلبية فقط لإدانة القرار الأكثر جرأةً وأكثر مسئوليةً منذ استقلال البلاد مباغضةً للحكم . ومن هنا فإن منطق أهلية السودان للنهوض بسلام الجنوب تؤكدها الشواهد إلا لمن كان منطقه هواه المعتل .. فريقٍ فيه من ريث الأبيض وأناته يتنقل من ميشاكوس العام 2002 وحتى نيروبي العام 2005 ، ليخرج للجنوب والشمال بتمزيق فاتورة الحرب ، وليقر أن من حق بناء الجنوب تقرير مصيرهم بأيديهم لأول مرةٍ منذ مائة عام .. بلادٌ تفي بالعهد العام 2011 تمكيناً للجنوب من استفتاء شهدت العوالم بشفافيته ، وتمضي لاعتماد نتائجه بحيث يقف رئيس البلاد في عاصمة الجنوب يعلن اعتراف بلاده بالدولة الوليدة ليكون السودان أول من اعترف بدولة  جنوب السودان .. ثم أن البيضاء ( ولاية النيل الأبيض )  - ( تمنيت أن تسمى البيضاء) – تفتح ساحها الرحيب المهيب لأهل الجنوب لتحدث العالم أن السودان ينطلق من القيم الراسخة لا من تكتيكات ( نفسي أو الشيطان ) .  ذلكم هو السياق الموضوعي لأهلية السودان الذي عبرت عنه ربيكا نياندينق زوجة قرنق مؤسس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان من حارب السودان لأكثر من عقدين من الزمان وخلال ثلاث حكوماتٍ تعاقبت على البلاد بالقول ( أنها سعيدةٌ بدور الرئبس البشير باعتباره الأخ الأكبر ، وأنه الأكفأ للقيام بالوساطة في عملية السلام لجنوب السودان ) وفق ما نقلت عنها صحيفة ذي إيست آفريكان الكينية الصادرة بتأريخ 30 يونيو المنصرم . وهو موسمٌ جديد يجدد الأمل في تصالح القارة السمراء ورفاه إنسانها ، وأمام منظمة ( إيقاد ) ملف المصالحة الأثيوبية الإريترية ، وفي الظن أن القارة باتحادها الماثل تملك الكفاءة لطي كل خلافٍ عبر أبنائها .